أصلكم هذا، وهذا ما قررناه آنفًا من أن دعواكم مترددة بين البطلان والتناقض.
ولكن الواقع أن الأشاعرة لم يتراجعوا عن هذا الأصل - على فساده - بل استمروا عليه، مع ارتكاب صنوف من التمحل والتعسف ..
من أمثلة ذلك: أنهم اضطروا أن يتكلفوا لكل نبيٍّ ما ينطبق عليه مفهومهم الضيق للمعجزة، فأدى بهم هذا إلى هدم أصل من أصولهم في باب آخر؛ وذلك أنهم قالوا: إن معجزة نوح عليه السلام هي (الطوفان)، ومعجزة هود عليه السلام هي (الريح العقيم)(١).
فعلى مذهبهم هذا (وهو أنه لا يثبت صدق النبوة إلا بالمعجزة، ولا يجب على المكلف الإيمان إلا بعد ثبوتها) لا يكون قوم نوح وهود ملزمين بالإيمان إلا عند وقوع الطوفان وهبوب الريح، وإلى أن يتأكد قوم نوح أن هذا معجزة رسولهم، وليس حادثًا كونيًّا عاديًّا، يمكن الاعتصام منه برؤوس الجبال ... إلى أن يتأكد قوم هود أن هذا ليس عارضًا ممطرهم ...
إلى أن يحصل هذا التأكد لا يجب على أي منهما أن يؤمن، إذ كيف يؤمن ودليل صدق النبي لم يثبت بعد؟! وبعد استيقانهم من صدق المعجزة يكونون قد ماتوا أو أشرفوا على الموت يقينًا، وحينئذٍ فيلزم أحد أمرين:
(١) - إما أنهم آمنوا وأدخلهم الله الجنة، وهذا باطلٌ قطعًا، قال تعالى: