إعلانٌ للعودة وللتوقف عن السير وراء الضائعين في الغرب المفلس.
لقد أخذت كل أمة من الأمم تبحث في مجاهل تاريخها عن فيلسوفٍ قديم، أو شاعرٍ غابر، أو مصلحٍ سالف؛ لتقدمه للبشرية على أنه منقذ جديد، وأن في (إلهاماته) ما ينير الطريق لإنسان القرن العشرين الحائر المضطرب، وأصبحت الميادين الكبرى في عواصم هذه الأمم معابد عصرية تتوسطها تماثيل أولئك الغابرين.
وهكذا برزت ظاهرة إنسانية كبرى هي ظاهرة (العودة إلى الماضي)، التي هي تعبيرٌ صارخٌ عن عدم الثقة في الحاضر، والتي لا تعدو في مقاييسنا الإسلامية أن تكون عرضًا من أعراض الخسران الأكبر، والإفلاس الماحق لقوم كفروا بالله ورسله {ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: (٦٦)].
ومع بروز هذه الظاهرة - عالميًّا - بدأ التيار التغريبي العلماني في العالم الإسلامي يتردد، بل ينحسر ويندحر، وبدأت جَمْع جُمَّة من القطيع السائر خلفه تتوقف وترعوي، وانكسرت حدة الانبهار بالغرب الكافر لدى عددٍ لا يستهان به، وتنادوا - لا سيما الشباب منهم - بالعودة لماضينا الذي ليس ماضي سائر الأمم بأولى منه.
وفي وسط طريق العودة التقى هذا الرافد العالمي العصري بالرافد الأصلي الذي ظل في غمرات القرون مستقيمًا، لم يشذّ مستعليًا، ولم ينبهر، أَلَا وهو بقايا الخير في هذه الأمة من رجال ما تزعزع يقينهم لحظةً واحدةً في أنه لا يَصلُح هذا العالم إلا بهذه الأمة، وأنه لا يصلح آخرُ