إن ظاهرة الحكمة في الكون مما تقطع به البديهية الإنسانية، وتؤخذ به العقول السليمة، فكل ما حولنا من الكون شاهدٌ عليها، ناطقٌ بها، ومقتضى هذه الحكمة ولازمُها: أن يكون هناك جزاءٌ وحسابٌ بالعدل، وإلا انحرفت ظاهرة الحكمة في أعظم وأشرف مظاهر الكون وهو الوجود الإنساني، فكيف نفسر استواء مصير طاغوت مجرم قتل الملايين وخرب الحضارات وانتهك الحرمات، ومصير أي رجلٍ ممن تُجمِع الأمم على تعظيمهم وحُسن سيرتهم وما جلبوه للعالم من خير عظيم كالأنبياء؟.
فهذا يموت وهذا يموت، وربما عاش الطاغية متمتعًا بأعظم الملذات، مغمورًا بأوسع الجاه، وعاش النبي مضطهدًا محاربًا ومات مقتولًا ...
فكيف تفسّر العقول السليمة والفطر المستقيمة استواء مصير كل منهما إلى موت لا بعث بعده ولا نشور، إلا على القول بأن هذا الكون كله عبث لا حكمة فيه، وهو مما تحكم باستحالته!!.
ومع وضوح هذه الآيات والعير يقول الأشاعرة:«إن أمر الآخرة مثل وقوف غراب الآن على جبل قاف، أومنارة الإسكندرية»(١)؟!.
والآن لنأتِ بأمثلةٍ من كلامهم على ما ذكرنا.
(١) أي خبر ذهني مجرد قابل للثبوت والانتفاء بذاته، لا دخل فيه لضرورة العقل والفطرة.