لقد أراد كل كمين من هذه السبل المتفرقة التي نهى الله عن اتباعها أن يستغل بواكير هذه الصحوة، ويستغفل شبابها الغض، فيلقي عليهم ثوب بدعته، ويقنعهم بقناع مذهبه حتى تصبح الأمة العائدة - وهي التي أراد الله لها، ونريد لها أن تكون أمةً واحدةً على المنهج الأبلج النقي - - تصبح شيعًا وأحزابًا، كما كان حالها أيام الزحف التتري أو الصليبي.
فأحدهم (صوفي) لا يعرف من التدين إلا الطبل والمزمار، والحضرة والتواجد ... يندس في الصفوف العائدة رافعًا راية التصوف - أو خرقته -، ساعيًا بأقصى جهده إلى تصويف المسيرة كلها.
وذاك رافضيٌّ خبيثٌ يتقمَّص شخصية الدجال تحت عمامة المجدد، ويلوح للجموع الباحثة عن الطريق: أن تعالوا إلى الإسلام، وما غايته إلا ترفيض القافلة بأجمعها.
وذلك مستشرق عربي! غذَّاه المستشرقون الغربيون بما استطاعت عقولهم الضحلة أن تلتقطه من فتات أفكار الفرق البائدة، وأظهروا أمامه التباكي على تراثها الإسلامي المفقود، وكنوزه الضائعة، واستحثوه أن يشتغل بالتنقيب عنها ونشرها (١)، فجاء المخدوع أو المتآمر ينبش رميم الباطنية والحلولية، وينفض الغبار عن هرطقة الفلاسفة والمعتزلة، ويحقق كتب البدع والفرقة، تحت ستار إحياء التراث والتحقيق العلمي
(١) انظر على سبيل المثال تقديم المستشرق (ألفرد جيوم) لكتاب المعتزلة لزهدي جار الله، وكلام المستشرق (اربري) في مقدمة كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي، تحقيق فتح الله خليفة. أما جهد (ماسينيون) و (نيكسون) لإحياء الفكر الصوفي، وما بذله تلامذتهم الشرقيون، فلا تحتاج إلى تمثيل.