نحاه بباب الوادي معترض في الطريق، يتمنَّع به من اجتياز أوليائنا إليهم، فأمرنا بإزالته وتسهيل الطريق إليهم، فأزيل بعد محاولة بين الفريقين، انتهب فيها كثير من أمتعة العدو وكُراعِهِم وأخبيتهم ومعائشهم لولا أن الليل حال بينهم وأَمْرُنا لم يتقدم لأوليائنا بالحمل عليهم وقطع دابرهم آخر الدهر. ثم إنهم استدرَكوا حفر خندق بين يدي بنائهم حسبوه أشد عناء وأمكن تحصيناً، وخرج أولياؤنا إليهم عشي يوم الجمعة بعدَهُ في روض المصارة فناشبوهم القتال وطاولوهم النزال وأوقعوا بهم وأعظموا الفتك فيهم ونالوا منهم بالسلب والجراحة والقتل أكبرَ النيل، فقوي الرجاء في دفاعهم، وامتدت الأعين إلى ما بأيديهم، فاستخرنا الله سبحانه في الخروج إليهم، وأخلصنا النية في الذب عن المسلمين وتسكين دهمائهم وإطفاء نار الفتنة بينهم، وجعلنا الموعد صبيحة يوم السبت. ونَمَى الخبرُ بذلك إليهم فأصبحوا متأهبين للقتال متحيزين إلى المراقب ثابتين في المصاف متميزين بشعائر الألوية المختلفة ألوانها باختلاف الجموع والقبائل، وبرز أولياؤنا من باب الوادي رجالاً وركباناً دارعين مستلئمين شاكين في الدروع السابغة متلثمين بالأسلحة الرائقة الحلية مما احتوته خزائن العدد بدارنا، وصانت المدد من ذخائر أسلافنا يقْدُمُهم سيف دولتنا وظهير دعوتنا وخالصة أمرنا ونجي سرنا وكبير أوليائنا وعضد ملكنا الذي نقذف به ثغر الأهوال ونوهن به عزائم العداة وزير أمرنا أبو علي عمر بن عبد الله بن علي أعزه الله تعالى، فنقدم بجميع الأولياء في أحسن هيئة وأكمل شكة تلتاح الأشعة من قواضبهم وتلتمح الكواكب من أسنتهم، وقد ربط الله على قلوبهم وثبت أقدامهم وأوجدهم ريح النصر على عدوهم، وقصدوا إلى ما خندقه العدو حفيراً وقد استصحبوا الفعلة بالآلات المعدة لتسوية الطريق وإزالة ما اعترض فيها من البناء فصَدَقوهم القتال وصابروهم في الدفاع فلم يكن إلا كلا ولا حتى اختلت مراكزهم ووهنت عزائمهم وبَطَل ما كانوا يعملون، وزحف أولياؤنا إليهم بجملتهم على الهيئة والتدرج في المشية والنصر تخفق بنوده والدولة يهب ريحها والسعود تشرق آياتُها فالتحم القتال واشتد الجلاد وصابروا ملياً يكرون في وجه أوليائنا ويفرون، والنبل تحصبهم والرَّمي يثبتهم والرماح تستبق إليهم وطيورُ المنايا تحلق عليهم، وما راعهم إلا خروجُنا في موكبنا المنصور من خواص المماليك ووجوه العبيد والحاشية يزدلف إليهم ازدلافاً قد خفقت أعلامه وتجاوبت لجابته، فشارفوا ثم وقفوا وأضعف الرعب أيديهم وملأ أفئدتهم وزلزل أقدامهم، وصدق الأولياء بين يدينا الحملة عليهم فمنحهم الله أكتافهم، واستمر الطلب لهم والنهب في أخبيتهم، واكتُسح ما كان فيها من الذخائر والأمتعة والكراع والأسلحة، وأصبحت منازلهم خاوية كأن لم تَغْنَ بالأمس، ووقفنا بكدية العرائس بعد الظهر من يومنا ومضى الأولياء في اتباعهم فتفرقوا طرائق قدداً وأفلت الحائن ناجياً برأس طِمِرَّةٍ ولجام وتخيرنا من اتحاد الأولياء من يتبعه حذراً من إفلاته، وكتابنا هذا إليكم من حضرتنا العلية وقد افترَّ بالبشر ثغرها، وازدان بالنصر جيدها، وعمرت بالمسرات أقدارها، واستقام الأمر وظهر الحق وزهق الباطل وعادت الدولة إلى ما كانت عليه من رسوخ القَدَم ونفوذ الأمر والحمد لله على ذلكم. ولِمَا لكم عندنا من العناية الواضحة والنظر الجميل، أعلمناكم بذلكم لتأخذوا بحظكم من السرور به، وتشيعوه فيمن يَلِيكم من الأولياء، وتعلموا عناية الله بهذا الأمر الكريم وما منَّ عليكم به من حماية حوزتكم وحفظ سياجكم، وتشكروه على ما منحكم من ائتلاف الكلمة وذهاب الفتنة والله يصل إكرامكم ويوالي احترامكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..