وكتب في الخامس عشر المحرم فاتح عام ثلاثة وستين وسبعمائة: وأَظْلَمَ جوُّ الشدة لهذا العهد فأمسك الله السحاب ورفع الغيث، وقد ذهب من فصل البذر أكثر من شطره والسماء زجاجية الأديم، مشتعلة الكواكب، متقاذفة الرجوم، والأرض عليها قَتَرة، وبيضة الملك قد اقتصرت على حوزتها، والفَلُّ الموتور قد انطلقت أيديهم، وَرُجْعَى المستبصرين في الوفاء للمنهزم متوقع، والعرب قد شرهت إلى الإدالة ومنَّاها بذلك كل عراف ومنتحل كهانه فاشرأبت أعناقها إلى استباحة ما يليها، والله يضم شمل المؤمنين ويرأب صدع الدين، ويرفع مرير الفتنة عن العالمين، وكان من الأمر ما يذكر بحول الله.
ولما نابذ الوزير قادح هذا الزناد أشياخ القبيل لاتهامه إياهم بسوء الدخلة، قلب أمره ظهراً لبطن فرأى أنه لا يستقيم له الأمر مع استمساكه بأميره البادي العتاهية المختل عُقدة العقل بعد أن حصحص الحق وشف عما وراءه من عدم الصلوح ساترُ التمويه، وصده عن الميل لجهة الأمير المجلب عليه من أفق تلمسان لهذا العهد مكان الخويصة التي لديه ممن لا يأمن الإغراء به والتشمير لإبادته فرمى بأمله على خطر السُّرى، وغول اللجج، وبعد الشقة، جانب الأمير المستقر ببلد قشتالة لهذا العهد، نازعاً إلى مَلِكها من الإِيالة المخيفة بالأندلس على تفئة إفلاته من الجملة المعتقلة المغتالة بساحل مليلة وهو أبو زيان محمد بن أبي عبد الرحمن تاشفين بن أمير المسلمين أبي الحسن، صبي لمَّا استجمع وجهه مظنة للسداد، متين السبب منفرد في الوقت، بإِرث الفريضة لتقاعد عصبتها بين غُفل ومثلوم وطفل ومختبل، فارتهن عهد أوليائه من أمراء الجهة المراكشية كعامر بن محمد متحفه مع نبأ الكائنة بولاية أمر المصامدة وما اتصل بحدودهم إلى ما عبر النهر الأعظم شرقاً وما تمطَّت عليه العِمالة من الخطة إلى سِيْفِ بحر أقيانُس وتخوم دَرعة، طرقه بريده بمحل منعته من الجبل مرتبك الأمر، وقد ساء ظنه بالدولة الحائنة واضطر إلى مصانعة المتغلب على أمرها بالمال العريض، وظهر عليه عدوه لما آنسه من ركود ريحه لديها. فأسهل إلى مراكش في خف من غاشيته فتقبض على والي الوطن المحكَّم في صَفْرائه وبيضائه محمد بن حسون بن أبي العُلَى، فتى الفتيان الخرق الكف في مال الجباية، وعلى صهره رئيس الجيل المعروف بابن سعد الله، البُهْمَة البيس كاشف قناع المحادة لعامر المذكور، والمُصَارِفُهُ نقدَ الإحنة والمتحيف أطرافَه بلؤم الجوار، فلم يقله العثرة، وبادره بأكتاد الصيْلَم، واقتطف الذي فيه عيناه، وتهنّا ذلك المَصام بعده، وكشيخ العرب ذي السمعة بالقِري والبذل على نزارة المتعاطِية لهذا العهد مبارك بن إبراهيم عميد الخُلط. واستخرج قِتْله ووزير صريعه مسعود ابن رحُّو الفدودي الماتِّ إليه بذمة الصهر، ويا لها رحماً غير مجفوة تسفه رأي من وأَدَ البنات، واسود وجهُهُ لبشير الأنثى، أجارته وقد شٌهرت المُدية إلى غلاصمه، وقد أبقته رهن المحبِس موقفاً عليه معذولاً في استحيائه. فألطف له القول وجلا عليه اليد وقرره على المنّة، وأخذ عهده بالوفاء، ولم يرزأه من نعمته قُلامة ظفر، وصرفه عجلاً إلى مراكش صحبة الأمير ابن السلطان الموقع هُو به، وأوعز إلى جملتهم الالتفاف عليه والصمد به وبمن لف لفهم من العرب والأوشاب إلى إصراخه إن ضويق خلفُه أو أخفق في استدعاء مختاره المنبتّ بأرض الروم مسعاه.