للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد كان الأمير عبد الحليم لما ضبثت يده برباط تيزي فاستند إلى جبلها ووفى له شيوخها من بني مرين طاعة معروفة، إذ كشفوا الوجوه في المناصبة، وأعطوا صفقة اليمين بين يديه على تفئة انصرافهم عن المحجر واستغنائه عنهم، فناصحوا والتأموا واستبصروا. ولقد حُدِّثْتُ أنهم احتفروا أُفحوصاً واستدعوا لجاماً يجعلونه في أعناقهم عند القسم سجية جاهلية أُذْكروا بها عند صحيفة قريش ويوم تَحْلاقِ اللِّمَمْ وغَمْس العرب أيديها في لدم عقداً تأذن الله بانحلاله إلى ما دون الشهر. وأقصر من بدار الملك إلى هذا العهد عن المناهضة، وقنع بالكسر وأبدى الاحتجاز مُسَلِّماً فيما وراءه، مستجمعاً مُصِيخ الأُذن إلى نبأ مستدعاه غير ملتفت إلى غير ذلك، فامتدوا وتغلبوا على مدينة مكناسة من غير قتال ولا مدافعة إلا ما كان من قبس أدنوه من بعض سياجات بساتينهم، وتوعدوا بتسليطه وإرساله فمكنوا من أنفسهم ومدينتهم، وخذلوا قائد قصبتهم فتقبض عليه وأُركب بعض الأداهم، واستقر عوضاً عنه دائل من قبل الدولة المطالبة. ولقبلُ ما كان هذا البلد مشاراً إليه في المنعة وشهامة القاطن ووفور الخزين واستبحار الدهن وهو آخر البلاد اللمتونية فتحاً على الدولة المؤمنية بعد المصابرة سنين سبعاً أقْتِيت فيها الحشرات والهوام وأمتكت العظام الرفات واستنقعت الجلود المُسْتَشِنَّة فأصبحت اليوم بَغِيّاً لا تردُّ يد لامس. ثم تولى أمرها ابن أخي السلطان المتغلب عليها، وصلها من تيزي في لمة خشنة، فضبطها وذاع خبرُ سوء المِلْكَة في أهلها من الطلب بالمعونة وافتراض عُددٍ من السلاح، واستعجال بوجيبة، مغرم الجزاء قبل إظلاله، إلى غير ذلك من طلب المترفين وأهل السعة بفرش ووطاء لاستمتاع أولي الأمر، وإنزال حامية الدولة ببيوت أهلها مجبورين على إطعامهم من أعالي ما يطعمونه أهلهم، إلى غير ذلك مما تنبسط به أذيال الدول غير المهذبة بالحكمة التي لم تأخذ بحُجْزَتها يد السياسة ولا أجالت قداحَها أكف الحرمة. ثم ذاع التنقير عن العُجَز اللائي يعتمدن في كراء الحُليّ عند المداعي والأعراس والمواشط المتناولات للزينة والتمويه والتطرية ليخبرن بمكان الحلي وأولي الذخيرة على قُلِّ هذا المتاع بهذا الأفق وخلو الأيدي منه، فلا تكاد تقع على طبقة أو بيت متهمٍ باقتناء عقد من الجوهر أو خيْتام من نفيس الحجر المفضل أو حلة مثقلة بالذهب النسيج كدين وطننا الذي هذا العَرَضُ به سلعة معروضة وماعون مستعار، إلا ما كان من الديار المرينية السلطانية وأذيالها، فالأمر جلل والذخيرة خطيرة، ذاع هذا الأمر عن هذا القدوم في تغلبهم هذا والله أعلم بيقينه. وامتدوا إلى تملك مدينة سلا وقد وجدوها لأول أمرهم مَهينةً لا تَدْفَع، وذلولاً لا ترمح، فوجهوا قوماً من العمال وقائداً بضبط البلدة، وصلوها عشية يوم التاسع من شهر محرم هذا العام، وتقدم بعض وزعتهم فسبق باب البلدة فأقفله على فراغ يمنع من التقاء مصراعيه، ففر الراتبون به لوظيفة الجباية، وتذامر أفذاذ من سواد المدينة ممن نبض له عرق الفتوة والمواساة وقليل ما هم، فأحكموا سده. ونزلوا بالزاوية تجاهه خارج المدينة فتسلل إليهم من ثلم السور صنائعهم بالأطعمة والعُلفة وبات الناس من أمرهم على مثل الرضْف، وقد ماج المشيخة المستضعفون متوقعو المكروه، من طرفَيْ أمرهم طاعة أو صدوفاً، وطيروا إلى قائد القصبة القريب العهد باللحاق بها العديم الصلوح للرأي وضم النشر وضبط البلاد يحيى الوزقوني المضعوف عند الهيعة المستأسد عند الأطماع. ولما أصبحوا مهدوا العذر للقادمين، وقد وقفوا حفافي بابهم يرومون دخول المدينة، وأفردوا والي البلدة بالرأي، وواعدوهم التوجيه إليه لسبر ما عنده، وعبروا الوادي إليه والخلق بين محتجر ومُصْحِر ومحوقل قد مثلوا بالعَبْرَيْن. ولما عرضوا ما لديهم على واليهم المذكور، صارفهم المكيدة، وقروهم على عقدهم فتبرعوا بالوفاء لسلطانه. وهتف منهم الشيخ محمد بن صاعد المُنْبَزْ بالعروس، هيدورة هذه النزوات، وكافي أهل البلدة مؤنة مثلها من الأمور الحرفية، وهو لهذا الوقت قد تثاقل وتوكأ على عصى يهش بها على ذوْد أثارة يرتسف بُلالَتَه، شَنُّ يحمل ريحاً، وصدىً لا يؤدي حقيقة، بكلمة فصلت الخطة، مشيراً بالقبض على الواصلين لتكون باكورة القطيعة وعنوان المنبز بالعروس سوء ما ارتكبه، فاضطرب

<<  <   >  >>