فلان، من الضريح المقدس بشالة، وهو الذي تعددت على المسلمين حقوقه وسطع نوره وتلألأ شروقه، وبلغ مجده السماء لما بسقت فروعه، ووشجت عروقه، وعظم ببنوتكم فخره، فما فوق البسيطة فخر يفوقه، حيث الجلال قد رست هضابه، والملك قد كسيت بأستار الكعبة الشريفة قبابه، والبيت العتيق قد ألحفت الملاحف الأمامية أثوابه، والقرآن العزيز ترتل أحزابه، والعمل الصالح يرفع إلى الله ثوابه، والمستجير يخفي بالهيبة سؤاله، فيجهر بنعرة العز جوابه. وقد تفيأ من أوراق الذكر الحكيم حديقة، وخميلة أنيقة، وحط بجُوديّ الجود نفساً في طوفان الضر غريقه، والتحف رفرف الهيبة الذي لا تهتدي النفس فيها إلا بهداية الله طريقه، واعتز بعزة الله وقد توسط جيش الحرمة المرينية حقيقة، إذ جعل المولى المقدس المرحوم أبا الحسن مقدمه وأباه وجده سيقة يرى بركم بهذا اللحد الكريم قد طنب عليه من الرضا فسطاطاً، وأعلى به يد العناية المرينية اهتماماً واغتباطاً، وحرر له أحكام الحرمة نصاً جلياً واستنباطاً، وضمن له حسن العقبى التزاماً واشتراطاً، وقد عقد البصر بطريق رحمتكم المنتظرة المرتقبة، ومد اليد إلى لطائف شفاعتكم التي تتكفل بعتق المال كما تكلفت بعتق الرقبة، وشرع في المراح بميدان نعمتكم بعد اقتحام هذه العقبة لما شنفت الآذان البشرى التي لم يبق طائر إلا سجع بها وصدح، ولا شهاب دُجُنّة إلا اقتبس من نورها واقتدح، ولا صدر إلا انشرح، ولا غصنٍ عِطْفٍ إلا مرح، بشرى الفتح القريب، وخبر النصر الصحيح الحسن الغريب، ونبأ الصنع العجيب، وهدية السميع المجيب. فتْحُ تلمسان الذي قلد المنابر عقود الابتهاج، ووهب الإسلام منيحة النصر غنيةً عن الهياج، وألحف الخلق ظلاً ممدوداً، وفتح باب الحج وكان مسدوداً، وأقر عيون أولياء الله الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، وأضرع بسيف الحق جباهاً أبيَّةً وخدوداً، وملككم حق أبيكم الذي أهان عليه الأموال، وخاض من دونه الأهوال وأخلص فيها الضراعة والسؤال، من غير كد يغمز عِطف المسرة، ولا جهد يكدر صفو النعم الثرَّة، ولا حَصَر ينفض به المنجنيق ذرابته، ويظهر بتكرر الركوع إنابته.
فالحمد لله الذي أقال العثار ونظم بدعوتكم الانتثار وجعل ملككم يجدد الآثار ويأخذ الثار، والعبد يهنئ مولاه بما أنعم الله عليه ووالاه، وما أجدره بالشكر وأولاه، فإذا أجال العبيد قداح السرور فللعبد المُعَلّى والرقيب، وإذا استَهَموا حظوظ الجذَل فليَ القِسْم الوافر والنصيب، وإذا اقتسموا فريضة شكر الله فليَ الحظ والتعصيب، لتَضَاعُفِ أسباب العبودية قِبَلي وترادف النعم التي عجز عنها قولي وعملي، وتقاصَر في ابتغاء مكافأتها وجدي وإن تطاول أملي، فمقامكم المقام الذي نَفَّس الكُرْبَة، وأنَّس الغربة، ورَعَى الوسيلة والقربة، وأنعش الأرماق، وفك الوثاق، وأّخذ على الدهر بالاستقالة العهدَ والميثاق، وإن لم يباشر العبد اليد العالية بهذا الهناء، ويَمْثُل بين يدي الخلافة العظيمة السَّنا والسناء، ويمد بسبب البِدَار إلى تلك السماء، فقد باشر به اليد التي يحنُّ مولاي لتذكر تقبيلها، ويكمل فروض المجد بتوفية حقوقها الأبوية وتكميلها.
ووقفت بين يدي ملك الملوك الذي أجال عليها القِداح، ووصل في طلب وصالها بالمساء الصباح، وكان فتحه إياها أبا عُذْرَةِ الافتتاح، وقلت يَهْنِيكَ يا مولاي رَدُّ ضالتك المنشودة، وحَيْز لقطتِك المُفْردة المشهودة، ورد أَمَتِك المودودة، فقد استحقها وارثُك الأرضَى، وسيفك الأمضى، وقاضي دَيْنِك وقرة عينك مُستنقِذُ دارِك من يد غاصبها، ورادُّ رُتَبك إلى مناصبها، وعامر المثوى الكريم، وستر الأهل والحريم، مولاي هذه تلمسان قد طاعت وأخبار الفتح على ولدك الحبيب إليك قد شاعت، والأمم إلى هنائه قد تداعت، وعدوك وعدوه قد شردته المخافة، وانضاف إلى عرب الصحراء فخفضته الإضافة، وعن قريب تتحكم فيه يد أحكامه وتُسْلِمُه السلامةُ إلى حِمامِه، فلتطب يا مولاي نفْسك، وليستبشر رَمْسُك، فقد تمت بركتك وزكا غرسُك، نسأل الله أن يورد على ضريحك من أنباء نصره ما يفتح له أبواب السماء قبولاً، ويترادف إليك مدداً موصولاً، وعَدَداً آخِرَتُهُ خير لك من الأولى، ويُعَرِّفُهُ بركةَ رضاك، ظَعْناً وحُلولاً، ويُضفي عليه منه ستراً مسدولاً.