ولم يقنع العبد بخدمة النثر حتى أجهد القريحة التي ركضها الدهر فأنضاها، واستشفَّها الحادث الجلل وتقاضاها، فلقي من خدمة المنظوم ما يتعهد حلمكم تقصيره، ويكون إغضاؤكم إذا لقي معرة العَتْب وليَّه ونصيره، وإحالة مولاي على الله في نفس جَبَرها، ووسيلة عرَفَها مجدُه فما أنكرها، وحرمةٍ بضريح مولاي والده شكرها، ويطلع العبد منه على كمال أملِه ونُجْح عمله وتسويغ مقترحه وَتتميم جذله:
أطَاعَ لِسَانِي في مَدِيحِك إحْسانِي ... وقَدْ لَهِجَتْ نَفْسِي بِفَتْحِ تِلْمِسَان
فَأَطْلَعْتُها تَفْتَرُّ عَنْ شَنَبِ المُنَى ... وتُسْفِرُ عَنْ وَجْهٍ مِنَ السَّعْدِ حَسَّانِ
كَمَا ابْتَسَمَ الغَوَارُ عن أَدْمُعِ الحَيَا ... وَحَفَّ بخّدِّ الوَرْدِ عَارِضُ نِيسَانِ
كَمَا صَفَّقَتْ رِيحُ الشَّمَالِ شَمُولَها ... فَبَانَ ارْتِيَاحُ السكر في غُصُن البَان
تُهَنِّيكَ بالفَتْحِ الذي مُعْجِزَاته ... خوارق لم تُذْخَر سِوَاكَ لإِنْسَانِ
خَفَفْتَ إليها والجُفُونُ ثَقِيلَةٌ ... كَمَا خَفَّ شَئْنُ الكَفِّ من أُسْدِ خفَّانِ
وقُدْتَ إلى الأَعْدَاءِ فيهَا مُبَادِراً ... لِيُوثَ رِجَالٍ في مَنَاكِب عِقْبَانِ
تَمُدُّ بنودُ النَّصرِ) مِنْهُمْ (ظِلاَلَها ... على كُلِّ مِطْعَامِ العَشِيَّاتِ مِطْعَانِ
جَحاجِحَةٌ غرُّ الوُجُوهِ كَأَنَّمَا ... عَمَائِمُهُمْ فيهَا مَعَاقِد تِيجَانِ
أمدَّك فِيهَا اللهُ) بالمَلأِ (العُلا ... فَجَيْشُكَ مَهْمَا حُققَ الأَمْرُ جَيْشَانِ
لقد جُلِّيَتْ مِنْكَ البلادُ لخَاطِبٍ ... لَقَدْ حَنِيتْ مِنْكَ الغُصُونُ إلى حَانِي
لقد كَسَتِ الإسْلامَ) بَيْعَتُكَ (الرِّضَا ... وكانَت عَلَى أَهْلِيهِ بَيْعَةَ رِضْوَانِ
ولِلهِ مِنْ مُلْكٍ سَعِيدِ) ونُصْبةٍ ( ... قَضَى المُشْتَرِي فِيهَا بِعَزْلَةِ كِيوَانِ
وسَجَّلَ حُكْمَ العَدْلِ) بَيْنَ بُيُوتِها ( ... وُقُوفاً مَعَ المِشْهُورِ مِنْ رَأى يُونَانِ
جَلاَ كُلُّ مِصرِيٍّ لَهَا حس ... ن فيها جدّه كل كلداني
فلم تَخْشَ سهمَ القوس صفحةُ بدرِها ... ولم تَشك فيها الشمس من نَحْس ميزانِ
ولم يعترض مُبْتزَّها قَطْعُ قاطعٍ ... ولا نَازَعَتْ نَوْبَهرها كفُّ عُدْوانِ
تولَّى اختيارُ الله حُسْنَ اختيارِها ... فلم تَحْتَج الفَرْغَان فيها لِفَرْغَانِي
ولا صارِفت فيها دقائقُ نِسبةٍ ... ولا حُقِّقَتْ فيها طوالعُ بُلدانِ
وجوهُ القضايا في كَمالِكَ شأنُها ... وجوبٌ إذا خَصَّت سِواكَ بإمكانِ
ومَنْ قاسَ منكَ الجودَ بالبَحْرِ والحَيَا ... فَقَد قاسَ تَمويهاً قياسَ سُفُسطَاني
وطاعتُك العُظمى بِشارَةُ رَحمةٍ ... وعِصيانُكَ المَحذور نَزْغةُ شيطانِ
وحبُّكَ عنوانُ السعادةِ والرِّضا ... ويُعْرَفُ مقدارُ الكتابِ بِعُنوانِ
ودِينُ الهُدى جِسْمٌ وذاتُكَ روحُهُ ... وكم وَصْلَةٍ ما بينَ روحٍ وجُثْمانِ
تضِنُّ بكَ الدُّنيا وتَحْرُسُكَ العُلَى ... فلا هُدِمَ المبْنَي ولا عُدِمَ البانِي
وصاحَتْ بكَ الدُنيا فلمْ تَكُ غافِلاً ... ونادَتْ بكَ العّلْيا فلم تَكُ بالوَانِي
ولم تكُ في خَوْضِ البِحارِ بهائِبٍ ... ولمْ تَكُ في رَوْمٍ الفَخَارِ بِكسْلانِ
لقد هَزَّ مِنكَ العَزمُ لمَّا انْتَضَيْتَهُ ... ذَوَائبَ رَضْوَى أو مَنَاكِبَ ثَهْلانِ
ولله عَينا مَنْ رآها محَلّةً ... هِيَ الحَشْرُ لا تُحصَى بعَدٍّ وحُسْبَانِ
وتَنُّورُ عَزْمِ فارَ في إثْرِ دَعْوَةٍ ... فَعَمَّ الأقاصِيَ والأدانِي بِطَوفَانِ
عجائِبُ أقطارِ ومأْلَفُ شارِدٍ ... وأقْلادُ آفاقٍ وموعِدُ رُكبانِ
إذا ما سَرَحْتَ اللَّحْظَ في عَرَصَاتِها ... تبلَّدَ منكَ الذِّهنُ في العالَمِ الثاني
جَناحانِ والنَّصْرُ العزيزُ اهْتَصَارُهُ ... إذا انْتَظَمَتْ بالقلبِ منها جَناحانِ
فَمِن سُحُبٍ لاحتْ بِها شُهُبُ القنا ... ومِنْ كُثُبٍ بَدَتْ فوقَ كُثبانِ