هنَّاكم الله دعاءً وخَبَرا، وألبَسَكم من السرور حَبَرا، وعوَّذَكُم بالخَمْس، حتى من عين الشمس، فَلَعمري لقد حصلت النسبة، ورضيَتْ بهذه المعيشة الحِسْبة، ومن يكن المزوارُ ذَوَاقَه، كيف لا يَشقُّ البدرُ أطواقَه، وينشئ القَبولُ عليه رُوَاقَه، وأنتم أيضاً بركانُ جمال، وبقيةٌ رَسْمَال، ويمينٌ في الانطباع وشِمَال، بمنزلكم اليومَ بدرٌ وهلال، ولعقد التوفيق بفضل الله استقلال، فأنا أهنيكم بتَسَنِّي أمانِيكم. والسلام.
ومن المنثور رسالةٌ سميتُها قَطْعَ الفَلاةِ، بأخبار الولاة: بات عندي أحد الشرفاء ممن شأنهُ انتيابُهم، فأجرى ذكر جميعهم وميَّزَ بين أدناهُم ورفيعِهم، فَضَمَّنْتُ ذلك الكلام [المُحَبَّر] وسميته بما ذكر، ونصها: حدَّثَ مَنْ يَنْظِمُ فوائدَ الأخبار في سِلْكِ قَصَصِه، ويدوس حيَّاتِ الطُّرُق بأخمصه، ويطارد شوارد المكارم فَتُصْبِحُ من قنصه. فقال: فبينما أنا في بعض الطرق وقد وَصَتْ الهاجرة، وتبرجت المفازةُ الفاجرة، وسَوْرَةُ القيظ، تكاد تَمَيَّزُ من الغيظ، وشَهْرُ ناجر، قد أخذ بالحناجر، والشمس قد ركبت سَنام خط الزوال، ومُدْرَجَةُ الصَّبَا قد ضنَّت بالنوال، وصمتت عند السؤال وقد تشاجرت الجنادب، واحتفلت لِعُنَاتِها تلك الولائمُ والمآدب، وتباعدت من الفضاء الأخرقِ المناكب، ومدَّت نسيج الآل العناكب، والطيَّة تُطَفِّفُ في المسير، والمطيةُ قد سئمت الذَّرْعَ والتكسير، والظلّ مرامُهُ من العسير، والماءُ بمنزلة الأكسير، إذ رُفعت لي على البُعد سَرْحَةٌ فريدةٌ عن اللِّدات، والوشائج المولَّدات، فهي في المجهل شامة، وللركائب رُكْنٌ مُسْتَلضمٌ بشامة، كأنها في جلد اليباب شامة، فَمِلْتُ إلى سَمْتِهَا وانحرفت، وثنيتُ العِنَانَ نحوها وصَرَفت، فما كان إلا فُوَاقُ حَرْف، لا بل ارتدادُ طَرْف، حتى غشيتُ منها عَقِيلةَ فَلاَة، وخِدْرَ سِعْلاة، ذات عمودٍ سام، وطَنَب تكنّف بني حامٍ وسام، ظلَّلَت من الأرض حجراً مدحوَّاً، ومَهْرَقاً من حروف المرو مَمْحُوَّاً، ودَمْثاً سهلاً، ورحباً وأهلاً، وشيخاً وكهلاً، وعلماً وجهلاً، هَرِمَةً مسنةً، تتخلل سماءَهَا الخضراء شُهْبَانٌ أَسِنَّة، وتتشبث بأهدابها أرسانٌ وأَعِنّضة، وتموج في ظلها إنْسٌ وَجِنَّة، كأنما ضربت الصخرةَ الصَمَّاءَ بعصاها، فأطاعها العذبُ الفُراتُ وما عصاها، فانساب بين يديها ثعبانٌ تُراعُ له وهادٌ وكُثبان، يشف حشاه عن حصىً تُغَلّطُ العارفَ من الصيارف، وتوهم الأمْلِيَاءَ انتهابَ نقودها والغواني انتثارَ عقودِها، لا تستطيع الجوارحُ مُصَابَرةَ خَصَرِه، ولا يماثله الشهدُ بمُجاج معتصِره، فَحَيَّيْتُ الجمعَ بأحسنَ تحياتِه، وأتحفت الروح من ذلك العذب البَرُود بحياته، وتَلَوْتُ) كذلك يُحْيِي اللهُ الموتى ويُريكم آياتِه (، وقلت حيَّاكِ اللهُ من خميلة، وفاتنة جميلة، وتمثلت بقول ابن قاضي ميلة: