للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما هذا الاستدعاء الذي نَقَدَ وبَهْرَج وعطف على من اتصف بالسعادة وعَرَّج، ومرَّ على الخليط المناشب، كما مرت على الطحن سبَّابة الحاسب، يُقْدِمُ ويُجْفِل، ويُعلي ويُسفل، ويُعلم ويُغفل، ومنزلتي صفر من هذا التعيين، وحظي الظمأ من المورد المعين، إن كانت الوسيلة المعتبرة وسيلة الحب، فما لوسيلتي تُحبط، ولركائب استقدامي لا تُربط، وفي مثلها يُحسد أو يُغبط، الصّحب والمحل الرحب، بحيث يُفعم الوَطْب، ويدرأ الخصب، وتُرفع للطارق نارُ القِرَى، مادَّتها المَنْدَل الرَّطب. نستغفر الله من الاسترابة بالود اللباب، وننوب في الاعتذار عن الأحباب، ولو علموا بارتفاع التقية، والمطالبة بالبقية، لما حجبوا بروقهم، ولا أغفلوا مَشُوقهم، ولا منعوا عنه صَبُوحَهم ولا غَبُوقَهم:

وَعَسى الذي قَدَرَ البِعَاد يُزيله ... وعسى الذي كتب الفراق يُجَمِّعُ

ولما وقفتُ على استدعاء صاحبنا أبي القاسم وصل الله حفظه، وأجزل من الخير حظه، آثرت اعتزامه، واقتضيت بالعهد التزامه، وكافحت جيش اعتذاره حتى رأيت انهزامه، في أن يشاهد ذلك الجمع المبارك بعيني، ويكون غريم الدهر في اقتضاء ديني، وحركت له الشوق الذي يَذْهَبُ معه الوَسَنْ، ويُخْلَعُ في طاعته الرَّسَنْ، وكنت في رحلته كما قال الحسن:

أيها الرائحان باللوم لُوما ... لا أذوق المُدَام إلا شميما

جُلُّ حَظِّي منها إذا هي دارتَ ... أن أراها وأن أَشُمَّ النَّسِيما

نالني بالملام فيها إمامٌ ... لا أرى في خلافه مستقيما

فكأني وما أُزَيِّن منها ... قَعَدِيٌّ يُزيِّنُ التحكيما

كَلَّ عن حَمْلِهِ السلاحَ إلى الحر ... بِ فأوصى المطيقَ أن لا يُقيما

والله يَسُرُّ براحة الشيخ النفوس، ويذهب البُوس، ويضفي من الوقاية اللُّبُوس، والسلام.

وخاطبت عميد الدولة، وقد بلغني إيابُه من زيارة الصّلَحَا بريف بادس، ضَجِراً بحِمْل الدولة متراوغاً عنها:

هَنِيئاً بالقُدُومِ مِنَ الزيارة ... ولُقِّيتَ السعادة والبشارة

وقاد لك الإله خفيَّ لطفٍ ... يُبَلِّغ مجدك الأعلى اختياره

سيدي أبقاك الله تُعَرِّجُ على البقع المزُورة ركابَ الجلالة، وتورثَ مَراقِيَ المنابر لا عن كلالة، وتنجح في صميم العمل الصالح بين السلف والسُّلالة، كانت ليَ آمال أرى بقاءك أَجَلَّها، وعمدةً لها، لاشتها الأيام وأَدْرَجَتْهَا، وعَفَى رسمها لما نَسَجَتْهَا، والدنيا حلوب خلوب، ومُغالب القدر مغلوب، وبيد الله أفئدة وقلوب، وإن ساءت ظنون، فَثَمَّ الكاف والنون ومؤلف الضَّب والنون، وما الدهر إلا مَنْجَنُون، أرضانا الله بمصارف القدر، وعوضنا منه بالحظ المبتدر، وفَرَّغَنَا للوِرْدِ البعيد الصَدَر

<<  <   >  >>