الذي خيب الله مسعاه وقرب منعاه، وأنه امتدت بعد وفاة مولانا المرحوم مطامعه، وظن أنه قد صفت بعد الكدر موارده ومشارعه، وانضم إلى العرب المفسدين من بني عامر؛ وأتوا محرومين لا مُحْرمين رجالاً وعلى كلِ ضامر، فلما وصلوا تلمسان وجدوا الجيش الذي كان بها قد تفرق، وتطرق من الاختلال إلى قضائه ما تطرق فاختلسها اختلاس السارق، وظن أنه بنجوة من الخطوب الطوارق، واجتمع إليه أوباش من قومه إسار الردى، وجهلة الهدى، وبقية السيف الذي خبث معتقداً، ولم تكن أنمى عدداً ولا أنجب ولداً، فلم يكن إلا أن جهزنا إليهم جيوشاً ضاق عنها الفضاء، وكتائب أشعارها البأس والمضاء، فلم يشك الأشقياء أنها تحل قريباً من دارهم، ولا ارتابوا في أنها تقدم بتبابهم وتبارهم، ونهدوا للمبارزة، وأجمعوا على المناجزة، وخرجوا عن البلد بجموعهم محامين على ما يزعمون عن منازلهم وربوعهم، فلما طلعت جيوشنا مشرفة الهوادي، وحققت الحقائق الرائعة في قلوب الأعادي، وقرب حزب بني عبد الحق من حزب بني عبد الواد، سُقط في أيدي الأشقياء ولاذوا بالفرار والجلاء، فولوا على أدبارهم نفوراً، وصحب منهم الشؤم والخسار قوماً بوراً، وتقطعت بهم الأسباب، والتَقَمَهُم القفر اليباب، وألقت تلمسان إلى ناسنا بمقاليدها، ووجهت إلى أولياء أمرنا العزيز بأقاليدها، وعاد روحها إلى جسدها، ولم تلق إلى التهلكة بيدها، وكادت تمشي على استحياء، وتشكو بما كان أصابها من داء عياء، حتى نَفَتْ خبثها، ورفعت بالطهارة حدثها، ووقفت موقف العائذ، وعضت على طاعتها بالنواجذ، وعند فتحها اعتزم شيوخ بني مرين أعزهم الله ومن معهم من العربان وأهل تلكم الأوطان، وبادروا لاتباع الفل الخاسر ورأوا في الموارد حسن المصادر، وأمر الأحلاف بأن يتقدموا في الصحراء، ويكونوا بالمرصاد لجموع الأعداء وكأنكم بدابرهم إن شاء الله قد قطع، وبشملهم الجميع قد شت وصدع، وحديث النصر المتجدد قد أسند ورفع، وأعلمنا بذلكم لما نتيقنه من حبكم الفائق، وخلوصكم الممطور الحدائق، وسروركم بما يسنيه الله عز وجل من الصنع الرائق، والفتوحات التي تهوى إليها أفئدة الخلائق، ولم يبق والحمد لله إلا أن نستعد للجهاد، ونصرف نظرنا الجميل إلى تلكم البلاد، حتى ينعم ناظر الدين بناضر الفتح، وتجول حدقته في حديقة المنح، ونعمل إن شاء الله في مناصرتكم ومظاهرتكم ما يعود بالنجح، والله المستعان وعليه التكلان، وهو سبحانه يصل سراءكم، ويضاعف نعماءكم وآلاءكم، ويحقق في حياطة تلك الأرجاء رجاءكم بمنه، والسلام الكريم، الطيب العميم، يعتمد إخاءكم المشكور ورحمة الله تعالى وبركاته كتب في اليوم العاشر لجمادى الأولى من عام ستين وسبعمائة، وكتب في التاريخ المؤرخ أعلاه.