وفي اليوم الثالث عشر من شهر شعبان عام ستين وسبعمائة، نَهَدَ هذا الرجل الموتور مورياً بالقتال ومدافعة من يبرز من حامية البلد، وقد راسل صاحب الأمر به، وصدق الدفاع، وأعطاه من بين يديه الضُّمة فدخل البلد، وقد نالت الجراح كثيراً من أتباعه لخفاء الغرض عن حماة البلدة، وثقات المراصد، وشاع بالمحلة أنه افتتح البلدة ودخلها عنوة، واستركب السلطان المغرور، ووقع النفير فتمخض الأمر عن الزُّبدة، وحصحص الحق بعد الشُّبهة واستراب الوزير المستوحش من وعيد الولد، فتحيز إلى المدينة وسلك سواه مسلكه من الرضا بالمدينة، وحَمِيَتْ أنفس المحصورين وهم شوكة وذمّرهم من لحق بهم، فكانوا لهم أسوة، فبرزوا ينهبون المحلة ووقع البَهْت وغلّت الأيدي ونزل من الله الخذلان. ووقف مغرورهم منصور ابن سليمان وولده موقف الحسرة، وتورطا في شَرَكِ الدَّهش والحيْرة ينشدان الأرحام، ويدْعُوان الذمام ويحترشان ذمم الحرية فلم يُلو إليهما لِيت ولا رُفعت لهما عين، ولا دافعت عنهما يد، ولا رُوعي لهما عهد فانصرفا في شرذمة محروبة تتقاصر عن العشرين فارين على وجوههم إلى جهة بادس. وكان من الأمر ما يأتي به الذكر إن شاء الله.
ولما تلاحق وزير الحائن بابن عم عمه الوزير القائم بأمر البلد نازعاً إليه، رابه قبوله وخافه على نفسه، فلم يلبث أن برز لحينه في سبيل المدافعة فصرف وجهه إلى الأمير المقبل أبي سالم وثَنَت الناس الأعنة إليه، فلم يَرُعْه أضيق ما كان خناقه، وأوفر ما كان فرقه، وأقصر ما كان أمله، إلا الخبر بالفتح الذي لم يلبس له لامة ولا اقتحم هولاً ولا تسربل عَجَاجَه، واتصل بالحصص الآخذ بمخنقه، فألقى قوّادها أنفسهم عليه وأخذوا أمانه، فغرب لحينه منهم أخوى طريده إلى بر الأندلس - وتحرك يوماً والناس يتسايلون عليه أثناء طريقه على اختلاف طوائفهم مهنين، وبالطاعة باخعين، وللوسائل مقررين، ومن الذنوب السابقة إلى سلفه مستغفرين، فقوبل كل بصاعه وأجيب ببسط أمله.