ولحق به لما تصيرت إليه طنجة الأحسن بن يوسف الخيري من شيوخ قبيل بني وارتجين، المشار إليه في الصلف والترف والتأنق في فاخر الكسوة، والممتاز بحسن الركض وتفاهة ميدان السلم متوجهاً إلى رُندة، والشريف الندب نسيج وحده في قوة الشكيمة ومضاء الحد وفضل الصرامة، مُطَبَّق المِفْصَل، وفاصل الخطة ومعز الرسالة ومحل الرجولة المستولَى على الأمد، حُسْنَ رواء وفصاحَة لفظ ونصاعة طرف وبراعة أدب وعموم مشاركة وإمتاع، أبو القاسم حسن بن يوسف الحَسَني، ضاق به رحب الدائل، واتهمه بالحمل عليه فصرفه إلى الأندلس مُوَرِّياً بغرض الرسالة تحرجاً من التصدي لمضرته، وإرعاء على منصب شرفه، فارتاش، واستظهر من المريني بقيّوم الوزارة، ومن الشريف بتجديد المجالسة ولسان الدست وظهير التدبير. وسكن من يومئذ المضارب واتخذ بعض الآلة، وتلاحق فرسان الطاعة من أهل الجبل ورندة. وتوجهت إليه الحصَّة من ظاهر البلد الجديد فوصلت قصر كتامة واضطربت به فَبَيَّتَتْها خويلة مع الوزير الأحسن ابن يوسف، هزمتها واستاقت كُراعها وعُدَّتَها، وصرف إليه بعدها منصور بن سليمان العناية، فبعث إليه حصة خشنة لنظر ذَمرٍ من رجال دولته معروف النفرة عن السلطان أبي الحسن وبنيه، مُردَفةً بأخرى لنظر أخويه عيسى بن سليمان وطلحة. ولما صمما نحوه، لاذ بسفح الجبل وأهمَّ من لديه أمرُهُم، ووقع القتال بتناصف القوم، أول أيامه، ثم بان الظفر لأكبر الطائفتين، ودوخل القبائل من غمارة وأطمعوا بالمال فمرجوا في أمره، وهمت به طوائف منهم ونشب بنفسه، لولا أن الله فصل الخطة وفرج عنه الكربة، وهناه المنحة وقسم له الحظ ضربة لازب، لا ربّ سواه سبحانه ولا مبدل لكلماته. وكان من الأمر ما يذكر إن شاء الله.
رَجَع: ولما اتصل بالوزير الحسن بن عمر، الثابت المقدم بالبلد الجديد المحصور، عبور الأمير إبراهيم، واتصاله بجبل غمارة، ودخل إليه جاسوسه المهدي باكورة خبره، رفع الأعلام، وشهر الاستبشار، وقرع الطبول مستبشراً به ومظهراً للناس النجح بمكانه فخلخل طاعة حاصره، وفَتَّ في عضده لاختلاف أهواء من لديه واضطرابهم ومَرَه بصائرهم، وغلبة التلاعب بالملكات عليهم، خوراً في الطباع، واحتطاباً في حبال الدائلين، وفي لمة من الفرسان، هاج حفائظهم، واستفسدهم عليه، لمضايقته إياه جاهلاً بوزانه، مخدوعاً في ثمن دُرَّته، مفضلاً عليه يومئذٍ صاحب العلامة، صبياً من ذرية منديل الكناني خالصة دولتهم في القديم أصعر الخد، خلو من الخلال الراجحة، يرى أنه سبط من أسباط إسرائيل الله في دول اليعاقبة، صَارَفَه الجفوة فلم تجزها طباعه الأبية، وارتكب الخطر وتجاوز الأحراس والأهوال فاستقر لديه مُخْملاً كثيراً من صاغية الناس. وتولى للأمير إبراهيم كبرَ الأمر وأحكامه في السرّ خطيب أبيه ورسوله، نسيج وحده وأعجوبة دهره والبعيد الشأو في هذا الميدان، الشيخ الفقيه الخطيب الشهير أبو عبد الله بن مرزوق، متلقى كرة الدولة والمستأثر بعد بالزبدة، فداخل الأشياخ ومهد الطاعة وكاتب في السر وردَّد مُداخلة البلد المحصور فكانت الطائلة لحيلته والبلاء الحميد لدسيسته ليقضي الله أمراً كان مفعولا. والأنْوَكُ المخدوع عن نفسه ذاهل عما وراءه، قد خضب الشيب وأعرس وهو على مقرب الصَمْغَة كأنه أخذ بقول الشاعر:
قومٌ إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهارِ
وأشار عليه ولده بالقبض على الوزير لما حذره من المداهنة في أمره فغلت يده عنه لينفذ فيه قضاء الله وقدره. وأوحش عميداً من رؤساء جنده المظهرين له على أمره، المناصحين بالجِبلَّة والغُربة لسلطانه محمد بن يوسف بن نصر المنبز بالأبكم الرئيس، البطل البهمة، راكب ظهر التهور، الحميّ الأنف، المرشح بالأندلس للإدالة، المفتتح من حضرة تونس دار الخلافة، جاهلاً بوزانه ومجرياً عليه حكم غماره، فأمر بثقاف حرمةٍ له لم تعرف قط إلا الحجبة، فقارضه سوء الدخلة.