مسامعه، ففسح مجال آماله التي ضيَّقها القدر وصَرَمَها، وأوقد نار الفتنة على من بحضرتنا من الأولياء وأضرمها، وبذل في التضييق عليهم ذخائر الأموال، وأنفق في حصارهم أعمار الرجال، فلم يحل بطائل، ولا ظفر منها والحمد لله ببغية آمل، ووصلتنا كتب وزيرنا الحظي لدينا الشيخ الأجل الأسنى المعظم الأكمل أبي علي الحسن بن عمر أعزه الله، يستصرخ بنا ويستنجد على الأشقياء بحزبنا، فأجبنا داعيَهْ، وحمدنا في حماية حضرتنا الكريمة مساعيَه، وأعملنا إليه الركاب، وقدمنا في نصره الأسباب، ونزلنا بسريف يمنه الله بمقربة من القصر الكبير، وكان الشقي لما خامره من أمرنا الرعب، وعلم أن ما وَطِئ من هذا الأمر موطئ يغيظ المؤمنين صعب، وجَّه أخويه عيسى وطلحة إلى القصر بجمع اعتقد ولاءهم في مغالبة أمرنا ومدافعة حزبنا ليقفوا هنالك، ويسد علينا بجمعهم الوافر الطرق والمسالك، وكان مع الشقي جماعةٌ من قبيلنا أعزهم الله، دعاهم إلى الوقوف معه داعي الاضطرار، وسلمت عقائدهم من الاعتداد بأمره والاغترار، فجعلوا يتسللون إلينا لِوَاذاً، ويودُّون لو يجعلون كبيرهم الذي لا يرجعون إليه جُذاذاً، علماً منهم بضعفه عن الولاية، وأن مبدأ ملكه لا يصل إلى الغاية، ثم اتصل بهم أن أمرنا قد أُمِر، وملكنا بعد إشفائه على الخراب قد عُمِرْ، فنبذوا دعوتهم بالعراء، وشحذوا عزائمهم لنصر دولتنا الغراء، وانفضوا من حوله وإن لم يكن لأجل استيلافهم فظاً، ودانوا بطاعتنا الكريمة ومحبتنا اعتقاداً ولفظاً، وأشرقوا الحائن بريقه، وأسلموه لمن تابعه من فريقه، ففر والرعب قد ملأ فؤاده، وسعادة أمرنا العلي مالكة إن شاء الله قياده، وقصد هو وولده وثلاثة من الفرسان ميمماً إلى جبل أكان الذي فيه إن شاء الله حتفُه، ولنا الاستيلاء عليه بعناية الله، وإن رغم أنفُه. وتفرق أولياؤه فرقاً، وسلكوا في طاعتنا سُبُلاً حميدة وطرُقاً، فمنهم مقتصد وقف مع وزيرنا المعظم أبي علي الحسن بن عمر أعزه الله ليكمل عقد الطاعة، وينتظم بمحبتنا وخدمتنا في سلك الجماعة، ومنهم سابق بالخدمة لم ير الغاية إلا في الوقوف ببابنا، ولا جعل قصده إلا في اللحاق بركابنا، قد تسابقوا إلى بابنا الكريم يصلون السُّرى بالتأويب، ويهتدون من أسِنَّتِهِم وعزائِمِهم بكل شهابٍ ثاقب في كل طريق ملحوب. وأما الوزير أبو سرحان مسعود بن رحو وكان ممن نقض عرى دولته وسعى في محو كلمته، فإِنه بادر إلى خدمةٍ تزكي عمله، وتبلغه من رضانا أمله، فاعتمد أولياءنا الأقربين، وبطانتنا المظفرين، وقصد الذين بالقصر ليصادف فيهم غِرَّه، ويُذهب عن منصب الملك بمحو آثارهم معرّة، ويتَحيَّل في القبض على أخوي الشقي، ويتقرب إلينا بأثر من نصائحه جَلِي. وفي خلال ذلك اتصل بالقوم ما وقع بفاس، فارتبكوا في أمرهم، وخلوا إلى شياطين طغيانهم وكفرهم، ثم إن الله سبحانه أيقظهم للهُدَى، وهيأ لهم من أمرهم رشدا، وبصَّرهم بمواقع الطاعة فالتمسوها، وأنسوا أنوارعفْونا اللائحة فاقتبسوها، فألقَوْا يد الطَّوع والإذعان، وهداهم الله إلى استكمال عقد الإيمان، وتحقق الوزير أبو سرحان خبرهم، واقتفى أثرهم، واجتمع طريقه بالقوم الذين استعجلوا إلى حضرتنا الكريمة، فوردوا في حين واحد، وشعارهم محبتنا التي أطلعت لهم الشك يقيناً، وطاعتنا التي لم يعتقدوا إلاَّ الوفاء بها وليّاً ولم يتقلدوا غيره دَيْناً، فصرفنا إليهم وجه القبول والإقبال واضح الجبين، ورفعنا لهم راية العز والإحظاء فتلقوها باليمين، وبرزنا إليهم والنصر قد عقد علينا لواءه، وهذا اليوم الأغر قد أرانا من الفتح ما وراءه، وازدحموا على ركابنا العَلي متفيئين ظلال العدل والأمان، وبايعونا بيعة رضى ورضوان، وضربت الطبول، وخفقت البنود، وأمن الرعايا، واستبشرت الجنود، وأنجز لنا من الله الموعود، ومن الله سبحانه نستوهب نصراً يردف هذا الفتح بمثله، وتأييداً يغني المقاتل عن هَزّة رمحه وسلِّه نصله. وسيق الذين بالقصر إلى محلنا الكريم يعثرون في لباس الذل والهُون ويرتعون حول حمىً من المنون، فأعطوا الطاعة عن يد وهم صاغرون، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، فَرَدَّدْنَا النظر وعلمنا أن الكريم يعفو إذا قَدَرْ، وقلنا إن عاقبنا فالعذر أجلى وأوضح وإن عفونا فالسجايا أندى وأسْجَح؛ لكننا إلى الأدنى من الله أجنح. فأوسعناهم عفواً وأوردناهم من