أحسَّ لأول أمره بنث، وأوجس من بطانة السوء المتجافي لها خيفةً، فَجَرَّع الرومي مُمِدَّه في الأمر ومظاهِره على الفِتْكَةِ الشنعاء كأس الحتف وكان فَتياً حَميَّ الأنف، شديدَ الصَلَف، مترامياً إلى أقصى حدود البسالة محتقراً للأمة، بادر ثانيه من زعماء الروم بالقتل وتغالى للوقت، وأجار على الوزير من يخاف مع بقائه فسادَ أمره، فبطش به لأسبوع من الكائنة. وقد نمى إليه زعموا تدبيره عليه في طائفة، منهم الفقيه الخطيب أبو عبد الله بن مرزوق، وهي التي جنت البداء في أمره والبدار إلى ثقافه، واستخراجه من بيت سيد الشرفاء صهره، بعد أن كان مُسَوَّغ العافية مخصوصاً بخلعة الأمان، متجافي له عن القُل والكُثْر، مخيراً في الانصراف والإِقامة. وسليمان بن ونزار المغرب الشَّأو في تهتك اللذة، والسَّبْح في بحر العُهْر، المُخلَّى بينه وبين غايات المجانة، المخصوص برسم القيادة، أعجب أهل جلدته في حسن الصورة ونصاعة الظرف، وغرابة المشية وتباهي البزَّة وممن يوصف بسخاءٍ وإيثار، لكن مقصور على أبطال الكأس ووصلاء المجانة والرقاعة ومجال اللذة، وهذا السخاء الغالب على سخاء الوقت في الأحداث من أبناء النعم، وكان له بالرومي لياذٌ وإليه صاغية وقد كان تقدَّم سجن الوزيرين قبله بحال ترقيةٍ، ممسوحةٌ أعطافهما بالعُذر مُعللةٌ نفوسهما بالإيناس. فوقعت على الروم يومئذٍ وقيعةٌ سد السيف فيها وألْحَم، أجلت عن جُملةِ تناهز المائة إذ سبق عميدهم باب السلطان ونذر به الوزير، فأخذ أهبته واستعان بشيوخ الدولة وشحن الملعب بالرجال، ودخل القصر من بعض أبواب السر، واستدعى الرومي للمفاوضة في بعض الأمر فلم تسعه إلا الإجابة فدخل ممتقع اللون مستشعراً للشر، وتخلف الكماة من فرسانه الغُلْفَ وراءه، فحاوره وصَرَفه ثم أوعز إلى الرجال بالإيقاع به، فتراوغ ورام الإفلات، واعتورته السيوف فمُزّق، وتعرف قومه الأمر، فراموا المدافعة عن أنفسهم وقد شَرِهَ الناس إلى إبادتهم فتُعُوِرُوا ضرباً هبراً وطعناً دِرَاكاً، وعاث الجندُ في سلاحهم وكُراعهم واعتصم سوادُهم بالمدينة المقطعة لسكناهُم، فأحيط بهم وأُخرِجوا عن دورهم فانحازوا إلى فضاء منعوا فيه حوزتهم بخلال ما بودر بأمانهم ورفع السيف عنهم، وفد انتُهِبُوا فلم يبق لهم نافخ ضَرَمَة، وامتلأت الأيدي من أسبابهم وحَريثهم وصامتهم وحليهم وما عونهم فهلك لهم متاع جم. وللحين أُنفذ القتل في سليمن بن ونزار حليفهم واستُصْفِيت أمواله. وضم الخطيب إلى دار سكناه بالبلد الجديد قبل الحادثة، لصق قصر السلطان، وطولب بالمال فتعلل، ثم أحضر زعموا اثنتي عشر ألفاً من الذهب العين إلى الأصول والمتاع والله يلطف له وبنفس الكرب عنه برحمته.