للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وتقرر الأمر على إبراز السلطان للناس جلسة الخطيب، ثم اختلى الوزير بأرباب الشورى كيحيى بن رحّو بن تاشفين بن معطي، بقية الوقت، وعمرو القبيل رجاحة ودهياً ونبلاً وألمعيَّة، وإدريس بن يوسف تلْوُهُ المُبِرُّ بالرُّوَاء والسذاجة، وبحناش ابن عمر الفسيح الذَّرع المُرْخَى العنان مع استجماع، القادح زناد السبل المستدر في مثله، إلى غيرهم من جِلَّةِ نُقاوة. وبادر مخاطبة الثائر بالأندلس يعرفه بالصنيع الذي أراح مُخَنَّقَه، وتعجل إفاقَتَه. ويوعز إليه بضبط من لنظره من اليعاقبة المرتَقبِين لحظوظهم من الدولة. وخاطب من لنظره من الجيش المستخدم في إعانة سلطاننا أبي عبد الله بن نصر بالرجوع إلى محال سُكناهم، وكتب إلى الأسطول كذلك بالقفول إلى سواحله، وخاطب من بتلمسان يعرض عليه حُسن الجوار وتهنى الأمر مع سد باب الفتنة والامتساك بمن يتصل به من مبايني الأمر وأضداد الدولة. وأَجْرَى الرسوم، وأفاضَ العطاء، وجدد الإقطاعات، وضاعف السهام، وأجرى القبيل على السَّنَن القديم مظنة الارتياش، والآن لهم القول واعترف لهم بالفضل فطابت به نفوسهم وضبثت به أيديهم ووطئوا عقبه ووعدوه المؤازرة وضمنوا له المدافعة وشرع في الاعتزاز بالوزعة، والانغماس في الحامية وراش جناحه بقبيله من بني يابان وهم عَدَد وافر، وألقى الله لهذا العهد على الخلق واقية كواقية الوليد، فاتسقت الطاعة ودانت الجبال الشم. وانتشرت الرُّفَق، وأمنت السُّبُل. وكانت قد سبقت بيني وبينه مداخلةٌ أكَّدها وصوله إلى منتبذي من مدينة سلا في بعض وجهت الخدمة، فقدمت عليه بعد استدعائي ثاني شهر ذي الحجة من العام، فأعمل الخطأ وصارفني المعاطفة وأنزلني بيت أهله ومهد لي فراش نومته، واستدعى نصحي في كثير من أمره وأنشدته شعراً بغرضي في سرعة التحول وتيسير الانصراف:

رَأَتْ والليلُ قد سَدَلَ الرّواقا ... شعاعَ البرقِ يأْتَلِقُ ائتِلاقا

وحققت الوميضَ وميضَ نجدٍ ... فهاج فؤادَها نَجدٌ وشاقا

ونازَعَها الزِّمامُ فما ثَناها ... وعارَضَها العِقالُ فما أطاقا

تقولُ ليَ السُّراةُ وقد أجَدَّتْ ... أَخَبْلاً تشتكي قُلتُ اشتياقا

إلى عمَر بن عبد اللهِ حَنَّت ... رِكَابي فهي تستبقُ استباقا

إلى الغَيْثِ الذي إن شحَّ غَيْثٌ ... فَمِنْ يُمْناهُ يَنْدَفِقُ اندِفاقا

إلى الليثِ الذي راعَ الأعادي ... وأَمَّنَ رِفْقُ سيرتِه الرفاق

إلى حَبْرِ السياسة لا يُجارَى ... ولا يبغي مُعارِضُه اللِّحاقا

إلى الفَطِن الذي لولا نَداهُ ... إذا ما جئتَه خِفْتَ احتِراقا

إلى قَمَرِ الوزارة جلَّلَتْهُ ... إِيَاةُ السَّعْدِ نوراً واتساقَا

وعصمةَ ربه اشتمل اشتمالاً ... فما يَخْشَى الأُفولَ ولا المَحَاقا

وحيدُ الفضل مشترك الأيادي ... بمِيدانِ العُلا حاز السباقا

إذا نَسَقَ الحديثَ الرَّطْبَ قلنا ... أهذا الشهدُ أم أحلى مَذَاقا

وإنْ ذُكِرَتْ مفاخِرُهُ ابتدرْنَا ... مهبّ الطيبِ يُنْتَشَقُ انتِشاقَا

مرينيُّ النِّجار فلا ادعاءً ... تقولُ إذا مَدَحْتَ ولا اختلاقا

ومن كأبيه عبد الله رأياً ... إذا ما المُعْضِل انطبق انطباقا

لَعَبْدُ الله في الوزراء مَهْما ... تذُوكِرَ خيرُ من ركض العِتاقا

ظهيرُ الأمرِ والقِدْحُ المُعَلَّى ... وأكرمُ مَنْ نَضَا البِيضَ الرِقَاقَا

غَدَتْ عَليَاهُ فوقَ البدرِ تاجاً ... وللجَوْزاءِ قد مثلت نِطَاقَا

لقد غَدَتِ الوزارة منك تُزْهَى ... بمن رقَّت سجاياهُ وَراقَا

وسيف الملك أنت وأيُّ سَيفٍ ... كَفى الأزماتِ دون دمٍ أراقا

رَكِبتَ الهَولَ في سُبُلِ المعالي ... فَلُقِّيتَ السعادةَ والوِفاقا

ضَرَبْتَ الصَّخْرَ فانفجر انفجاراً ... ضَرَبْتَ البَحْرَ فانْفَرَقَ انفِراقا

وَزَارَتُكَ التي حقاً تُهَنَّي ... فما هَدَراً وَلِيتَ ولا اتفاقا

فَلَمْ تَزْدَدْ برتبتها عُلُواً ... ولم تَزْدَدْ بنعمتها ارتفاقا

ولكن بعضُ خقِّكَ قُمْتَ فيه ... بحقِّكَ بعد ما استُرِقَ استراقا

<<  <   >  >>