ونظَمت القصيدة المُعَدة لإنشاده إياها عند تملي المنيحة وتهني الموهبة، فتعددت منها الأغراض وأخذها الطول، وتَفَنَّنَتْ منها المقاصد. ومن الأمور التي أعثَرَتْ عليها التجربة، إخفاق المساعي في الأغراض التي تُقدم لها القصائد والإنشاءات وتروي الخطب والمنظومات، ليتبرأ قضاء الله من تحكم البشر وتبدو مزية القدر. وأنا أجلب القصيدة على جهة الإحْمَاض والتنشيط إذ فائدتها مع تمام الأمر وإحقاقه حاصلة لمن ارتاد الآداب وكلف بالفضائل، وتشوف إلى الأنحاء البلاغية والمقاصد وهي:
الحقُّ يَعلو والأباطِلُ تَسْفُلُ ... واللهُ عَن أحكامه لا يُسألُ
والأمرُ فيما كان أو هوَ كائِنٌ ... كالعِلَّةِ القُصوى فكيف يُعَلَّلُ
وهوَ الوجودُ يجودُ طَوراً بالذي ... تَرضَى النفوسُ بِهِ وطَوراً يَبْخَلُ
وإذا استَحالَتْ حالةٌ وتَبَدَّلَتْ ... فالله عزَّ وجلَّ لا يتبَدَّلُ
واليُسْرُ بعدَ العُسْرِ مَوعودٌ بهِ ... والصَّبْرُ بالفَرَجِ القريبِ مُوَكَّلُ
والمُستَعِدُّ لِما يُؤمِّلُ قابِلٌ ... وكفاكَ شاهِدُ قَيِّدوا وتَوكَّلوا
ومَن اقتَضَى بالسَّعدِ دَيْنَ زمانِهِ ... والسَّيفِ لم يَبْعُد عليهِ مُؤمَّلُ
أمحمدٌ والحمدُ مِنكَ سَجيَّةٌ ... بِحُلِيِّها بينَ الوَرى يُتَجَمَّلُ
أما سُعُودُكَ فهيَ دزنَ مُنازِعٍ ... عَقْدٌ بأحكامِ القضاءِ يُسَجَّلُ
ولكَ السجايا الغُرُّ والشِيَمُ التي ... بِغَريبِها يَتَمَثَلُ المُتَمَثَلُ
ولكَ الوَقارُ إذا تزلزلت الرُّبَا ... وهَفَتْ مِنَ الرَّوْعِ الهِضابُ المُثَّلُ
ولك الجبينُ الطَّلْقُ والخُلُقُ الذي ... لَحْظُ الكمالِ بِلَحْظِهِنَّ مُوَكَّلُ
النُّورُ أنتَ وكُلُّ نورٍ دُجْيَةٌ ... والبحرُ أنتَ وكلُّ بَحرٍ جَدْوَلُ
وإذا ذُكِرْتَ كأَنَّ هبَّاتِ الصَّبَا ... رَكَدَ الكَبَاءُ بِجَوِّها والمَنْدَلُ
مَنْ ذا يجيدُ الوصفَ مِنكَ خَيالُهُ ... وَصِفَاتُ مَجدِكَ فَوقَ ما يُتَخَيَّلُ
والله ما وفَّى بحَقِّكَ مادِحٌ ... واللهِ ما جلَّى بحَمدِكَ مِقْوَلُ
عَوِّذْ كمالَكَ ما استَطَعْتَ فإِنَّهُ ... قد تَنْقُصُ الأشياءُ مما تَكْمُلُ
تابَ الزمانُ لديكَ مما قد جَنَى ... واللهُ يأمُرُ بالمَتَابِ ويَقْبَلُ
إن كانَ ماضٍ مِن زَمَانِكَ قد أتى ... بإساءةٍ قد سَرَّكَ المُسْتَقبَلُ
هذا بِذاكَ فَشَفِّعِ الثَّاني الذي ... أرضاكَ فيما قد جَناهُ الأوَّلُ
واللهُ قد ولاَّكَ أمرَ عِبَادِهِ ... لمَّا ارتَضَاكَ ولاَيَةً لا تُعْزَلُ
وإذا تَغَمَّدَكَ الإلهُ بِنَصْرِهِ ... وقَضَى لكَ الحُسْنى فَمَنْ ذا يخذلُ؟
فإذا انتَضَيْتَ فكلُّ كهم مُرْهَفٌ ... وإذا ضَرَبْتَ فكلُّ عُضْوٍ مَفْصِلُ
فلو اعتَمَدْتَ على الرِّيَاحِ لغارَةٍ ... نَهَضَتْ بغارَتِكَ الصَّبا والشَّمأَلُ
ولو استعنتَ الشُهْبَ واستَنْجَدْتَها ... حَمَل السلاحَ لك السِماكُ الأَعْزَلُ
سُبحانَ مَنْ بِعُلاكَ قد شَعَبَ الثَّأَى ... وأعادَ حَلْيَ الجيدِ وهو معطَّلُ
قد كادَتْ الأعيانُ يكذِبُ حِسُّها ... والأوَّلِيَّاتُ السَّوابقُ تُجهَلُ
والأرضُ راجفةٌ تَمورُ وأهلُها ... عَصفتْ بهم ريحُ العَذابِ فَزُلزِلوا
من ماتَ مِنهم ماتَ ميتَةَ فِتنَةٍ ... أو عاشَ فَهو مُفَسَّقٌ ومُضَلَّلُ
لا بيعَةٌ تُنْجي ولا عَهْدٌ يَقِي ... الدِّينُ والدُّنيا نَسيجٌ هَلْهَلُ
فَحَجَبْتَ عن آفاقِهم مَن يَهْتَدي ... ومَنَعْتَ عن أحكامِهِم مَن يَعْدِلُ
فاليومَ إذ بَخَعَ المُسيءُ بِذَنبِهِ ... مُسْتَسْلِماً وتَنَصَّلَ المُتَنَصِّلُ
فاشمِلْ بِعَفوِكَ مَن تَجَنَّى أو جَنَى ... واسلُك طريقَتَكَ التي هيَ أمثَلُ
واحرُس حِمى العَليا فمَجدُكَ مُنْجِدٌ ... واطلُب مَدى الدُّنيا فسَعْدُكَ مُقبِلُ
وانْهَد فَنَصْرُ اللهِ فوقَكَ رايَةٌ ... وَمِنَ السُّعودِ عليكَ سِتْرٌ مُسْبَلُ