للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الوجه الثالث: الحدود يقيمها الإمام.]

لو فرضنا صحة ما قالوا من جواز قتل المعاهدين احتجاجا بقصة كعب بن الأشرف؛ فإن قتلهم، وإقامة الحدود عليهم، والتعزيرات، ليست لهم ولا لآحاد الناس، وإنَّما هي من صلاحيات الإمام، أو رئيس الدولة.

قال ابن قدامة: " ولا يجوز عقد الهدنة ولا الذمة إلّا من الإمام أو نائبه؛ لأنه عقد مع جملة الكفار وليس ذلك لغيره؛ ولأنه يتعلق بنظر الإمام، وما يراه من المصلحة على ما قدمنا؛ ولأن تجويزه من غير الإمام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية، أو إلى تلك الناحية، وفيه افتيات على الإمام، وإن هادنهم غير الإمام، أو نائبه لم يصح ... ". (١)

قال ابن القيم: " فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر، ويعقِده كل مسلم، ولا يشترط على المستأمن شيء من الشروط، والذمة لا يعقدها إلا الإمام، أو نائبه، ولا يعقد إلا بشروط كثيرة تشترط على أهل الذمة من التزام الصّغار ونحوه ". (٢)

[الوجه الرابع: أن الذي أمر محمد بن مسلمة بالقتل هو رسول الله.]

وهو ولي الأمر على أمة الإسلام، وعليه فلا يجوز الإقدام على مثل هذه الاغتيالات إلا بأمر ولي الأمر الشرعي، ووفق الضوابط الشرعية؛ لما يترتب عليها من المفاسد الجمة كما نراه اليوم. قال صالح الفوزان: " ليس في قصة كعب بن الأشرف دليل على جواز الاغتيالات، فإنّ قتل كعب بن الأشرف كان بأمر الرسول ص، وهو ولي الأمر وكعب من رعيته بموجب العهد، وقد حصلت منه خيانة للعهد، اقتضت جواز قتله كفًا لشره عن المسلمين، ولم يكن قتله بتصرف من آحاد النّاس، أو بتصرف جماعة منهم دون ولي الأمر كما هو حال الاغتيالات المعروفة اليوم في الساحة، فإنّ هذه فوضى لا يقرها الإسلام؛ لما يترتب عليها من المضار العظيمة في حق الإسلام والمسلمين " (٣).


(١) المغني: ابن قدامة المقدسي، ج ١٠، ص ٥٠٩.
(٢) إحكام أهل الذمة: ابن القيم، ج ٧، ص ٣٢.
(٣) فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة: محمد بن حسين بن سعيد القحطاني، دار الأوفياء: الرياض، ط () دت، ص ١٥٧.

<<  <   >  >>