قال محمد بن منكلي: وينبغي للملك وغيره أن يكون دأبه قبل الركوب بعد صلاة الصبح، ما يعتمده من قراءة القرآن والذكر والتسبيح والدعاء وطلب المعونة والتوفيق والسداد في الحركات والأحكام، وأن يتناول ما يصلح لمزاجه من مأكول يسير وشرب مباح، ولا يمتلئ من الطعام والشراب، فإن الصائد لا يصلح له ذلك خصوصاً الراكض فربما إذا ركض الممتلئ من الطعام والشراب فرسه أورثه البواسير وغيرها من الأدواء.
ولا ينبغي للملك التصيد حين المطر ونزول الثلج، ففي ذلك عدم التذاذ وتبرم الحاشية كالشبان والغلمان الذين لا جلد لهم، ويتوقى الركض في الزلق والسباخ والوحل، وهذا لا يعد من الفروسية، بل فعل هذا جهل محض، ولا يجوز فعل ذلك في شرعنا، ولا في شرع غيرنا لما في ذلك من الضرر بزلق الفرس وكسر عضو من أعضاء الفارس أو الفرس أو كلاهما معاً.
وقد رأيت من اتفق له مثل ذلك وكسرت رجله وسلم من الموت. وأما الصيد في وقت الغيم فلا بأس في ذلك.
وقد أجمع العقلاء أن الضواري لا يجوز أن يلعب بها إلا الملوك ومن دون الملوك إلا من كان شجاعاً سخي النفس، ثابت العقل، يعلم ما ينفعها ويضرها فيدبره بعقله ورأيه، وأن يكون مكملاً في جميع آلة الصيد من الزرق والحلق والركوب والهمة العالية، وأن لا ينظر إلى ما يصل إلى أرباب الضواري والساسة لها والصّناع في أن يكثر عليه أو في عينه، فإن الله قسّم الأرزاق. وجعل الأسباب موصلة بينهم.
وقد أجمع العقلاء على أن ألذّ ما وجد من الصناعات وأحلها وأجلها وأطيبها وأقربها إلى طبائع الإنسان مثل الصيد، وذلك أنه يميل إليه قلب كل أحد من سائر الخلق.
وقد ذكر أن لحم الصيد أنفع ما يكون للمريض، وذلك أنه يزداد لحم الصيد بتعبه لذة لأنه يقلل تعب المعدة في هضمه لتعبه وحركته وتخبطه في كف الجارح أو في فك الفهد والكلب وغيره.
وقد تقدم ذكر الغيم. ولم نذكر ما الفائدة في وقته فنذكر ذلك الآن؛ وذلك أن الملوك كانت تقسم أيامها، فتجعل يوم الغيم الذي لا مطر فيه للصيد، وهو اليوم المحمود للطيور الضواري وللصيد أيضاً، وذلك أن الضواري أفره ما يكون في يوم الغيم والصيد أشغل ما يكون في هذا اليوم بطلب المرعى والمداومة على الرعي، ومع الاشتغال فرصة للصياد، والضاري.
ويجعلون يوم المطر المتتابع للخلوة والتلذذ مع من يحبون ويختارون، ويوم الصحو للقاء الناس، والانتصاب في المجالس لمقابلة العامة والنظر في مهمات الأمور ويغلس في التماس الطرائد لأنها تكون في ذلك الوقت قد هدأت وربضت للنوم فتثار، وفي عيونها سنة النوم.
وأما الصيد في أي يوم من أيام الجمعة، فقد ذكر عن بعض من قسم الأيام من الأدباء أنه يوم السبت وقال في ذلك:
لنعمَ اليوم يوم السبت حقاً ... لصيدِ إن أردت بلا امتراء
وفي الأحد البناء لأن فيه ... تبدّى الله في خلق السماء
وفي الاثنين إن سافرت تلقى ... عظيم النجح فيه والهناء
وإن ترد الحجامة فالثلاثا ... ففي ساعاته نزف الدماء
وإن تشرب لتنقية دواء ... فنعم اليوم يوم الأربعاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج ... ففيه الله يأذن بالقضاء
ويوم الجمعة التزويج فيه ... ولذات الرجال مع النساء
قال المؤلف غفر الله له: ولم أتعرض على صاحب هذا الكلام، إلا أنه ربما خرج المتصيد في وقت غير ملائم على رأي أصحاب الفلك، وأما الاختيار للصيد فهو كالاختيار في الحرب، وقد هجي متصيد خرج في وقت منحوس، فقيل فيه:
ومدمن لهج بالصيد منهمك ... فيه ويرجع عنه وهو عريان
لا يطلب الصيد إلا وقت منحسه ... وطالع حلّ فيه النحس كيوان
فالطرف يشكوه والكلابُ تلعنه ... والوحش راضية والكلب غضبان
وأما على مذهب الفقهاء ختم الله لهم بالحسنى. فلا اختيار لوقت دون وقت بعد الاستخارة الشرعية، ولو فصلنا القول على مذهب أهل الفلك لخرج بالكتاب عن المقصود، ولكن الأصول بحمد الله محفوظة مضبوطة.
وقد ذكر قبل كيفية سير الملك للصيد فقد بسط القول فيه على سبيل الاختصار بحمد الله. وليبدأ الآن مختصراً كيفية نزوله عند فراغه ورجوعه من صيده.