للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد تقدم أنه يجب عليه شرعاً وعقلاً التحفظ من كل ما ينبغي التحفظ منه، فإذا نزل فلا يسبق من يعتمد عليه، وليكن النزول كحال لرحيل بالانتظام السلطاني على عادة الملوك بل يختار ويتحرى ضوابط لم يكن سبق إليها مستحسنة للعقلاء وأصحاب الرأي. قال الله تعالى: (توجد آية) ، وهذا مطرد في حق كل حاكم مسئول، فإذا نزل استروح، ونظر في كل من هو مسئول عنه وكشف حال القاصدين له كشفاً شافياً وأقول: ولا ينبغي للملك أن يبعد عن مقرته في صيده، ويتفقد كل ساعة أحوال الكشافة الذين يقدمون من قلعته بكل خبر قلّ أو جل ولا يشتغل في نزوله بما لا فائدة فيه كلعب الشطرنج، وأقول: إن المبالغة في لعب الشطرنج لا يصلح للملوك أصلاً وقد هدت أركان بواسطة المبالغة في لعب الشطرنج وسببه ظاهر، فإن العوالي من الشطرنجية أكثرهم مقامر مرتكب محرّم لا محالة، ولم يزالوا يفشون أسرار الملوك والأكابر والسبب الداعي لإفشاء سر الملوك ظاهر، وذلك أن الملك الغاوي للشطرنج إذا لعب مع عالية، فلابدّ للعالية أن يهزأ بالملك ويسترخي له، فيظن الملك أنه غالب، وإنما هو مغلوب، فيفرح الملك بغلبه ظناً فيخرج منه كلام يقتضي السكوت عنه، فيتكلم به كحال السكران من الخمر، وحالة الفرح كحالة الغضب، فيجب على الملك وعلى كل عاقل أن يتحفظ في كلامه، فيسمع الشطرنجي كلاماً يقتضي السر فيفشيه فيفشى ذلك الكلام مع طلبة الشطرنج فينقل من واحدٍ إلى واحد فيحصل الضرر والعياذ بالله من الخائنين.

وأقول: وليس لهم ذنب، بل الذنب لمن قربهم، إذ القرب لهم عار وانحطاط في الرتبة، وليعتبر بحال السلطان الملك المنصور لاجين تغمده الله برحمته، وما اتفق له بواسطة لعب الشطرنج بحضور ابن العسال رحمه الله.

وقد حصل له ما فيه كفاية من الرعب الشديد، وكان ذلك تأديباً له كيف حضر أماكن اللعب بالشطرنج وسلم من الموت.

قال محمد بن منكلي: يتعين على الملك حين نزوله أن يقرب إليه مع ثقاته أجرى خيله وأصبرهم، وكذلك يكونون بالقرب منه الخيول السبق حين سيره أرضاً، ولقد نازعني بعض الجند الجياد، وإن المطلوب من الفرس الطرقة فقلت: لا أسلم إنما المطلوب من الفرس الجري، وأقمت الدليل الشرعي والعقلي فانقطع وسلم واستفاد ذلك، وكأنك يا سيدي تقول، ما الدليل الشرعي والعقلي، أما الشرعي: فالرواية الصحيحة عن وهب بن منبه رضي الله عنه متصلاً، إن الله تبارك وتعالى، خلق الفرس العربي من ريح الجنوب، ثم قال له: وقد جعلتك للطلب والهرب، وسأجعل على ظهرك رجالاً يسبحونني ويحمدونني ويهللونني، تسبحين إذا سبحوا، وتحمدين إذا حمدوا، وتهللين إذا هللوا إلي، ففي ذلك بيان واضح بتفضيل الجري على الطرقة، فإذا حصلتا فبخ. بخ.

والفرس الجاري منج من الهلكة وطلب الأعداء وبلوغ الإرادات وغير ذلك من استلحاق الصيد، خصوصاً الفرس الطويل النفس، وأحسن ما يكون من الخصال المحمودة الوهيبة أن يكون جريه أولاً وآخراً سواء بقوة، وهذا قليل في الخيل فمنهم من هو حاد، أول جلبته قوية وآخر جريه رديء ولهذا وظيفة تقدم ذكرها. ومنهم بالعكس، أي الذي جريه في أول وهلة بطيء، وكلما عرق وتقدم جريه فهو جيد، لكن فيه قضية فلربما طلب فلحقه الحاد في أول وهلة فمعر راكبه، وهذا التفصيل لم أسمع به وهو ظاهر.

<<  <   >  >>