للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلهذا كانت المتحركات والسواكن إذا ركبت منها أجزاء أول، اعني أنها في أول تركيب إلا لا تنحل إلا إلى جزأين بسيطين أو إلى بسيط ومركب في أدنى تركيب - وهذه هي الأسباب والأوتاد - ثم ألف من ضم بعض تلك الأجزاء إلى بعض على الأنحاء المتناسب ثم وضعت في مقادير من المسوعات، تحتمل منها: أربعة أجزاء خماسية أو خماسيين وسباعيين، أو ثلاثة أجزاء سباعية أو سباعيين وسداسيا أو تساعيا وسباعيين أو تساعيا وسباعيا وخماسيا، أو جزأين ثمانيين، أو تساعيين. ونسق في ذلك بعض المتماثلات على بعض أو قورن بين الجزء وما يضارعه على نحوين من الوضع: ١- أحدهما أن يضاعف كلاهما ويراوح بينهما في الوضع فيرد أحدهما أبدا عقب الآخر، فتكون لأحدهما المراتب الأفراد أبدا، مثل أن يقع أولا وثالثا وخامسا وسابعا، وتكون للآخر المراتب الأزواج بأن يقع ثانيا ورابعا وسادسا وثامنا، وذلك نحو الطويل والبسيط.

٢- والآخر أن يوضع أحد المتضارعين متكررا والآخر مفردا، فيقدم المتشافعان على المفرد، أو يوسط المفرد بينهما، أو يؤخران ويقدم المفرد. وهذا الوضع الأخير لم يقع للعرب إلا في فروع الأوزان دون أصولها، لأن هذا الوضع بالنسبة إلى ما قبله قليل التناسب: إذ لا استفتاح فيه بغير مظنة التناسب، وإذ الأثقل فيه موضوع طرفا، وإذ هو من بناء الكثير على القليل، وبناء القليل على الكثير أنسب، اللهم إلا إذا كان الجزء المضاعف يقصر على الجزء المفرد الذي بني عليه، فإن ذلك يستساغ.

وعلى هذا النحو استعملت العرب في فروع أوزانها هذا الوضع. وعلى ذلك قيس ما وضع من الأوزان المحدثة، فضوعف فيه السباعي بعد التساعي، أو وضع ذلك على نحو لا ينسق فيه بعض المتماثلات على بعض ولا يراوح بين جزء يورد متكررا في مواضع غير متصلة وبين جزء مضارع له يورد أيضاً متكررا في المواضع المتخللة لمواضع الآخر، ولا يضاعف فيه أحد الجزأين ويفرد الآخر؛ بل يكون الموضع بالاطراد من بعض المتضارعات إلى بعض والانحدار فيها من الأثقل إلى الأخف والاستمرار في ثلاثة الأجزاء على هذا التدريج.

وقد يقع نقلة الترقي المضادة لهذا الوضع فيا لمضارعات أيضاً تناسب في الوضع وحسن مسموع، ولكن في بعض الاقترانات لأسباب موجبة لذلك قد ذكرناها في غير هذا الموضع.

٢- تنوير: والتضارع بين الأجزاء هو أن يكون ترتيب جزء ما يماثل ترتيب صدر جزء نحو فعولن ومفاعيلن، أو يماثل ترتيب الجزء ترتيب عجز جزء آخر نحو فاعلن ومستفعلن، أو تكون نسبة صدر الجزء إلى صدر الجزء فيما ينقص عنه نسبة عجزه إلى عجز الآخر أيضاً فيما ينقص عنه نحو فاعلن ومفاعلتن، أو يكون صدر أحدهما يماثل صدر الآخر أو يماثل عجزه عجزه أو صدره عجزه أو عجزه صدره.

والجزء المضاد للجزء هو الذي يكون وضعه مخالفا لوضعه نحو مستفعلن ومفاعيلن. فإن الوتد في أحدهما مقدم على السببين، وفي الآخر مؤخر عنهما، ومثله مفاعلتن ومتفاعلن.

والمنافر هو الذي لا يضارع ولا يضاد وذلك بألا يكون بين الجزأين تقارب في الترتيب ولا تضاد فيه نحو متفاعلن ومفاعيلن.

فالتركيبات المتناسبات إنما تكون باقتران المتماثلات والمتضارعات ولا يقع في اقتران المتضادات والمتنافرات تركيب متناسب أصلا. وقد يكون الجزء مضادا للآخر من وجه، مضارعا له من وجه آخر، مثل فاعلن وفعولن، فإنهما وإن تضادا من جهة الوضع بان قدم في أحدهما ما أخر في الآخر، فقد ضارع أحدهما صاحبه من جهة أن صدره مماثل لعجزه.

ويشترط في التضارع مساواة أكثر الجزأين. فإن كان في جزء يسير منهما أو من أحدهما لم يعتد به. وأحسن التركيب ما وضع فيه أحد المتضارعين مما يلي الحيز الذي ضارعه من صاحبه نحو وضع الطويل والبسيط. ولهذا رفض مقلوب وضعهما لأن الجزء فيه ليس موضعا مما يلي الجزء الذي ضارعه من صاحبه.

<<  <   >  >>