للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣- إضاءة: فإذا وضعت مقادير من المسموعات مؤلفة من الأجزاء المتقدمة الذكر على الأنحاء الخمسة التي وضعت عليها العرب أبنية أوزانها - وهي: ١- الوضع الذي تتسق فيه المتماثلات نحو المتقارب، ٢- أو الذي تتداخل فيه المتضارعات نحو الطويل، ٣- أو الذي يتقدم فيه المتشافعان على المفرد نحو السريع، ٤- أو الذي يتوسط فيه المفرد بين المتشافعين نحو الخفيف، ٥- أو الذي تتسق فيه المتضارعات نسق انحدار؛ وعلى ما يناسب من الوضعين الباقيين، وهو: ١- تقديم المفرد على المتشافعين، ٢- ونسق المتضارعات نسق ارتقاء؛ وربعت الخماسيات في نسق المتماثلات في الشطر الموزون وثلثت السباعيات فيه وثنيت الثمانيات والتساعيات في ذلك وربعت المتداخلات من الخماسيات والسباعيات وثلثت الواقعة بتشافع وإفراد، وكذلك المتضارعات أي عدد كانت - كان ذلك مسموعا متناسبا من شأن النفس أن تستطيبه ويداخلها التعجب من تأتي نسقه واطراد هيئاته وترتيباته المحفوظة.

ويسمى ما كان على هذه الصفة شطر بيت. فإن أردف مقدار موضوع على بعض تلك الأنحاء قد تهيأ بتلك الهيأة التي تستطيبها النفس وتستبدعها بمقدار آخر يساويه في الوضع والتراتيب زادت النفس ابتهاجا بذلك أحسن موقع وأكمله مناسبة. وهذا المقدار المجموع من المقدارين هو المسمى بيتا.

٤- تنوير: ولما كان أحق البواعث بأن يكون هو السبب الأول الداعي إلى قول الشعر هو الوجد والاشتياق والحنين إلى المنازل المألوفة وألا فها عند فراقها وتذكر عهودها وعهودهم الحميدة فيها، وكان الشاعر يريد أن يبقي ذكرا أو يصوغ مقالا يخيل فيه حال أحبابه ويقيم المعاني المحاكية لهم ف الأذهان مقام صورهم وهيآتهم ويحاكي فيه جميع أمورهم حتى يجعل المعاني أمثلة لهم ولأحوالهم أحبوا أن يجعلوا الأقاويل - التي يودعونها المعاني المخيلة لأحبابهم المقيمة ف الأذهان صورا هي أمثلة لهم ولأحوالهم - مرتبة ترتيبا يتنزل من جهة موقعه من السمع منزلة ترتيب أحويتهم وبيوتهم. ويوجد فيوضع تلك بالنسبة إلى ما يدركه السمع شبه من وضع هذه بالنسبة إلى ما يدركه البصر. فقد تقدم أن المسموعات تجري من الأسماع مجرى المرئيات من البصر، وتوجد لحال حال من هذه أشياء من حال حال من تلك. فقصدوا أن يحاكوا البيوت التي كانت أكنان العرب ومساكنها، وهي بيوت الشعر، لكونهم يحنون إلى أدكار ملابسة أحبابهم لها واستصحابهم لها واشتمالها عليهم بالأقاويل التي يقيمون المعاني المنوطة بها في الأذهان مقام صورهم وهيآتهم ويجعلونها أمثلة لهم ولأحوالهم. فيكون اشتمال الأقاويل على تلك المعاني مشبها لاشتمال الأبيات المضروبة على من قصد تمثيله بها وأن تجعل تذكرة له. ويكون ما بين المعنى والقول من ملابسة مثل ما كان بين الساكن والمسكن. ومتى أمكن أن يهيء الشيء الذي يجعل تذكرة لشيء آخر ويقصد به تمثيله في الأفكار بهيأة تشبه هيأة ذلك الشيء المقصود تذكرة من وجوه كثيرة يتسق بها الشبه كان أنجع في التحريك إليه والانصباب في شعب الولوع به.

٥- إضاءة: ولما قصدوا أن يجعلوا هيئات ترتيب الأقاويل الشعرية ونظام أوزانها متنزلة في إدراك البصر تأملوا البيوت فوجدوا لها كسوار وأركانا وأقطار وأعمدة وأسباب وأوتادا.

فجعلوا الجزاء التي تقوم منها أبنية البيوت مقام الكسور لبيوت الشعر.

وجعلوا اطراد الحركات فيها الذي يوجد للكلام به استواء واعتدال بمنزلة أقطار البيوت التي تمتد في استواء.

٦- تنوير: ولما كانت الأوتاد: منها ما ثباته ضروري في إمساك الخباء وتحصينه، ومنها ما في ثباته تحصين ما وقد تحتمل إزالته، جعل الخليل الضروريات من السواكن أوتادا وجعل غير الضرورية أسبابا. والأحسن أن يقال: إن هذه وتلك أوتاد، لكن ثبات إحداهما ضروري في حفظ بنية البيت، فهو بمنزلة الوتد الذي لا بد منه في الخباء، وثبات الأخرى ليس ضروريا في حفظ بنية البيت بل يستقل البيت به ودونه، فهي بمنزلة الأوتاد التي تستعمل في إمساك جوانب البيوت وقد يستغنى عنها.

<<  <   >  >>