للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتب الحسن رحمه الله كتاباً إلى عمر بن عبد العزيز (١) عند توليه الخلافة، قال في مطلعه: " اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، وليس ما يفنى وإن كان كثيرا يعدل ما يبقى وإن كان طلبه عزيزاً، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية، فاحذر هذه الدار الصارعة الخادعة التي قد تزينت بخدعها، وغرت بغرورها، وقتلت أهلها بأملها، وتشوفت لخطّابها، فأصبحت كالعروس المجلوة، العيون إليها ناظرة، والنفوس لها عاشقة، والقلوب إليها والهة، ولألبابها دامغة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة، فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر، ولا اللبيب بكثرة التجارب منتفع ولا العارف باللَّه والمصدق له حين أخبر عنها مدكر ... إلخ " (٢).

• موقفه مع ابن سيرين:

كان بين الحسن البصري وبين ابن سيرين هجرة، فكان إذا ذكر ابن سيرين يقول: دعونا من ذكر الحاكة، وكان بعض أهل سيرين حائكاً.

فرأى الحسن في منامه كأنما هو عريان قائماً على مزبلة يضرب بالعود، فأصبح مهموماً برؤياه.

فقال لبعض أصحابه: امض إلى ابن سيرين فقصّ عليه رؤياي على أنك أنت رأيتها، فدخل على ابن سيرين وذكر له الرؤيا.

فقال له ابن سيرين: قل لمن رأى هذه الرؤيا لا يسأل الحاكة عن مثل هذا.

فأخبر الرجل الحسن بمقاله فعظم لديه وقال: قوموا بنا إليه.


(١) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، أمه: أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، يكنى أبا حفص، ولد عمر سنة ثلاث وستين، كان والي المدينة في عهد الوليد بن عبدالملك، ولما تولى الخلافة رد مظالم بيت المال، توفي سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر, وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ٥/ ٣٣٠.
(٢) انظر: المعرفة والتاريخ للفسوي ٣/ ٣٣٩.

<<  <   >  >>