للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدر رجيح ونحن نذكر من ذلك ما يعم به الانتفاع ونتكلم في طوله وعرضه بالباع والذراع فمن ذلك ما قاله القاضي أبو عمر ومحمد بن أحمد النوفاني في كتابه تحفة الظراف العشاق معذورون على كل حال مغفور لهم جميع الأقوال والأفعال إذ العشق إنما دهاهم على غير اختياري بل اعتراهم على جبر واضطرار والمرء إنما يلام على ما يستطيع من الأمور لا في المقضي عليه الصلاة والسلام فتضع حملها فكيف ترى هذه وضعته أباختيار منها كان ذلك أم باضطرار لا بل باضطرار وفقد اقتدار هذا مما لا شك فيه دولب ولا يختلج خلافه في قلب قلت: وجاء في تفسير قوله تعالى " فلما رأينه أكبرنه " أي رأينه في أعينهن كبيراً وقيل حضن من الدهش. وقال ابن عباس أمذين وأمنين من الدهش وقطعن أيديهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ولم يجدن ألماً لحز أيديهن لاشتعال قلوبهن بحسنه. وقال وهب: كن أربعين امرأة فمات منهن تسع وجداً بيوسف وكمداً عليه. وما أحسن قول بعض بني عذرة، وقد قال له بعض العرب ما لأحدكم يموت عشقاً في هوى امرأة يألفها إنما ذلك ضعف نفس ورقة وخور تجودنه فيكم يا بني عذرة. فقال أما والله لو رأيتم الحواجب الزج فوق النواظر الدعج تحتها المباسم الفلج لأتخذتموها اللات والعزى. وقال الفضيل بن عياض: لو رزقني الله دعوى مجابة لدعوت الله بها أن يغفر للعشاق لان حركاتهم اضطرارية لا اختيارية ورؤى أبو السائب المخزومي وكان من أهل العلم والدين بمكان متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ارحم العاشقين وقوي قلوبهم واعطف عليهم قلوب المعشوقين فقيل له ذلك. فقال: والله للدعاء لهم أفضل من عمرة من الجغرانة ثم أنشد:

يا هجر كف عن الهوى ودع الهوى ... للعاشقين يطيب يا هجر

ماذا تريد من الذين جفونهم ... قرحى وحشو قلوبهم جمر

متذبلين من الهوى ألوانهم ... مما تجن قلوبهم صفر

وسوابق العبرات فوق خدودهم ... درر تفيض كأنها قطر

والظاهر أن قوله أفضل من عمرة من الجعرانة هو الذي جسر الفتح ابن خاقان على قوله من أبيات:

أيها العاشق المعذب صبراً ... فخطايا أهل الهوى مغفورة

زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحجة مبرورة

قلت وقد بالغ في هذا الكلام حتى استحق الملام فليته اكتفى بما قتل في التمثيل:

على أنني راضٍ بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه لا عليّ ولا ليّا

والظاهر أن الحامل له على هذا ما ذهب إليه الشافعي في أن الميت عشقاً من الشهداء للحديث الوارد في ذلك وسيأتي ذكره في باب العفاف إن شاء الله تعالى. وقال التميمي في كتابه امتزاج الأرواح. سئل بعض الأطباء عن العشق. فقال أن وقوعه بأهله ليس باختيارهم ولا بحرصهم عليه ولا لذة لأكثرهم فيه ولكن وقوعه بهم كوقوع العلل المدنفة والأمراض المتلفة فقال: لا فرق بينه وبين ذلك. وقال المدائني لام رجل رجلاً من أهل الهوى. فقال: لو كان الذي هوى اختيار لا اختياران لا يهوي ولكن لا اختيار الذي هوى قالوا والعشق نوع من العذاب والعاقل لا يختار العذاب لنفسه وفي هذا قال المؤمل شفا المؤمل يوم الحيرة النظر ليت المؤمل لم يخلق له بصر يكفي المحبين في الدنيا عذابهم والله لا عذبتهم بعدها سقر حكي أنه نال ما تمنى لأنه عمي بعد قوله، وقال أبو محمد بن حزم قال رجل لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين إني رأيت امرأة فعشقتها فقال عمر ذلك مما لا يملك وقال كامل في سلمي:

يلومونني في حب سلمى كأنما ... يرون الهوى تمنيته عمداً

ألا إنما الحب الذي صدع الحشا ... قضاء من الرحمن يبلو به العبدا

وقال الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية وقد فسر كثير من السلف قوله تعالى " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " بالعشق وهذا لم يريدوا به التخصيص وإنما أرادوا به التمثيل وأن العشق من تحميل ما لا يطاق والمراد بالتحميل ههنا التحميل القدري لا الشرعي الأمري انتهى كلامه.

<<  <   >  >>