هويت تشبيبه من قبل رؤيته ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وقلت أنا:
رعى الله أرباب اليراع فإنهم ... أزاحوا اعتذاري عنهم بالهوى العذري
ٍمواصيلهم من نفخهم كل ساعة ... جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقلت أيضاً ملغزاً في شبابة:
وما خرساء إن نطقت رأينا ... تناقض فعلها أمر عجيبا
منقبة وليس لها أزار ... توافينا ولم تخشى الرقيبا
فتاة إن خلوت بها صحبي ... رأيت لهم معي فيها نصيبا
ينازعني هواها كل صب ... وإن لم تشبه الرشا الربيبا
فكم من عاشق فضحته فينا ... وكم جمعت بمجلسها حبيبا
تجدد لي إذا نطقت سرورا ... يعيد زماني البالي قشيبا
أرق من النسيم الرطيب صوتاً ... وأسرع في الورى منه هبوبا
تغازل دائماً بعيونها من ... يطارحها التغزل والنسيبا
فدع لومي إذا ما همت بها ... وأنشدني من الشعر الغريبا
وشبب لي بها أبداً وقل لي ... ضروب الناس عشاق ضروبا
فأغدرهم محب ذو ملال ... وأعذرهم أشبهم حبيبا
وقال المصيص الخياط يهجو عوّاداً:
وإذا تربع لا تربع بعدها ... وغدا يحرك عوده متقاعسا
فكأن جرذان المدينة كلها ... في عوده يقرضن خبزاً يابسا
وقال آخر:
وغنى أبو الفضل فقلنا له ... سبحان مخليه من الفضل
غناؤه حدُ على شربه ... فاشرب فأنت اليوم في حل
وابلغ ما قيل في ذم المغني قول كشاجم:
ومغن بارد النغمة ... مختل اليدين
ما رآه أحدفي ... دار قوم مرتين
وقال آخر:
ومغن بار ... أذهب اللذات عنا
فسألناه سكوتا ... فأبى يسكت عنا
فشتمناه فغنى ... فاشتفى القواد منا
وقال آخر:
مغنية سوء ألفاظها ... يميت السرور ويحيي الكرب
مقبحة الوجه مفلوجة ... فلا للنكاح ولاللطرب
وقال آخر:
ولرب زامرة يهيج زمرها ... ريح البطون فليتها لم تزمر
شبهت أنملها على ضرباتها ... وقبيح مبسمها الشنيع الأبخر
بخنافس قصدت عنيفا واغتدت ... تسعى إليه على خيار الشنبر
هذا مثل قولهم في المثل أبصر الحامل والمحمول ودار الوكالة: وقال آخر:
كأنها في حالة العيان ... خنافس دبت على ثعبان
وما أحسن قول الوجيه الدرري فيمن يغني بالرباب ويجمع بين الأحباب
لا تبعثوا بسوى المعذب جعفر ... فالشيخ في كل الأمور مهذب
طوراً يغني بالرباب وتارة ... يأتي على يده الرباب وزينب
[الباب التاسع والعشرون]
[ذكر من ابتلى من أهل الزمان بحب النساء والغلمان]
أقول هذا باب عقدناه لذكر عشاق زماننا هذا وهم ما تعرفهم بسيماهم فمنهم من أتصف بالانصاف وسلك طريقة السلف في العفاف وهذا النوع فيما يظهر أعز من الكبريت الأحمر لم أراه ولا رأيت من رآه وإن وجدت اسمه فأين مسماه.
فاشهد بصدق مقالتي ... أو لا فكذبني بواحد
هيهات بل قصارى أهل هذا العصر أن يعشق أحدهم بكرة ويواصل الظهر ويسلو العصر وعلى هذا حكاية بعض العلماء من أهل المدينة فيما حكاه عمرو بن شيبة قال كان الرجل يحب الفتاة فيدور بدارها حولاً يفرح إن رأى من رآها فإذا ظفر بها في مجلس تشاكيا وأنشد الأشعار واليوم يشير إليها وتشير اليه فيعدها وتعده فإذا التقيا لم يشكو حباً ولم ينشدا شعراً وقام إليها كأنه على نكاحها أمين الأمناء كما قيل.
لم يخطو من داخل الدهليز منصرفا ... إلا وخلخالها قد قارب الشنفا
وقال الأصمعي قلت لإعرابية ما تعدون العشق فيكم قالت العنق والضمة والغمزة والمحادثة ثم قالت يا حضري فكيف هو عندكم قلت يقعد ما بين رجلي عشيقته ثم يجهدها قلت يا ابن أخي ما هذا عاشق هذا طالب ولد.