للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أشكو إليك فؤاد أنت متلفه ... شكوى عليل إن إلف يعلله

سقم يزيد على الأيام كثرته ... وأنت في عظم ما ألقى تقلله

الله حرم قتلى في الهوى سفها ... وأنت يا قاتلي ظلماً تحلله

فقال محمد بن داود كيف السبيل إلى استرجاع هذا فقلت له هيهات سارت به الركبان: وقال أبو عبد الله:

قلبي عليك أرق من خديكا ... وقواي أوهى من قوى جفنيكا

لم لا ترق لمن تعذب قلبه ... ظلماً ويعطفه هواء عليكا

وقال ناصر الدين بن النقيب:

لقد وجبت عليك زكاة حسن ... وفيه كمثل مافي المال حق

فلا تعدل به غني فإني ... لمصرفه الفقير المستحق

وقال القاضي شمس الدين بن خلكان رحمه الله من قصيدة:

لولم أكن في رتبة ارعى لها ... العهد القديم صيانة للمنصب

لهتكت ستري في هواك ولذلي ... خلع العذار ولج فيك مؤنبي

لكن خشيت بأن تقول عواذلي قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي: وقال آخر:

حججي عليك إذا خلوت كثيرة ... وإذا حضرت فإنني مخصوم

لا أستطيع أقول أنت ظلمتني ... الله يعلم انني مظلوم

وقال المكرم:

الناس قد أثموا فينا بظنهم ... وصدقوا بالذي أدرى وتدرينا

ماذا يضرك في تصديق ظنهم ... بأن نحقق ما فينا يقولونا

حملي وحملك ذنباً واحداً ثقة ... بالعفو اجمل من إثم الورى فينا

وقال المتنبي:

زودينا من حسن وجهك ما دا ... م فحسن الوجوه حال يحول

وصلينا بوصلك الآن في الدنيا ... فإن المقام فيها قليل

أقول: هذا البيت الأخير حسن في بابه فيما يتعلق بمغالطة الحبيب واستعطافه وأما الأول ففيه تنغير فليته أراح واستراح وترك التهكم بالوجوه الملاح على أن التلعفري اقتدى به في التهكم بأحبابه: فقال ذو بيت:

يا تارك ربع الصبر مني مهدوم ... ما إن يرى لغائب الوصل قدوم

صف ربك في العشاق وارفق بهم ... ولا تحسب أن دولة الحسن تدوم

[الباب التاسع]

[الرسل والرسائل]

[والتلطف في الوسائل]

أقول هذا باب عقدنا لذكر مراسله الأحباب وشكوى الجوى في الجواب وهو باب مطروق نافق السوق طالما عرض فيه المحب على الرسول سلعة النحول لا سيما من عيل صبره واشتهر أمره فأصبح وهو في البيت طريح واستعمل في مراسلة الحبيب حتى الريح كما قيل:

فيا نسيم الصبا أنت الرسول له ... والله يعلم أني منك غيران

بلغ سلامي إلى من لا أكلمه ... أني على ذاك الغضبان غضبان

لا يا رسول لا تذكر له غضبي ... فذاك مني تمويه وبهتان

وكيف أغضب لا والله لا غضب ... إني لما رام من قتلي تفرحان

أكل يوم لنا رسل مرددة ... وكل يوم لنا في العتب ألوان

أستخدم الريح في حمل السلام لكم ... كأنما أنا في عصر سليمان

فهو من الهوى على شطر ومن إقامة الهجر على سفر لا يقر له قرار ولا يصلي لوجنة محبوبه بنار لا جرم أنه يتعلل بالنسيم العليل ويقول لاستنشاق اليسير منه قليلك لا يقال له قليل.

ومن أحسن ما سمعته في هذا الباب قول الواو الدمشقي:

بالله ربكما عوجا على سكنى ... وعاتباه لعل العتب يعطفه

وحدثاه وقولا في حديثكما ... مابال عبدك بالهجران تتلفه

فإن تبسم قولا في ملاطفة ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه

وإن بدا لكما في وجهه غضب ... فغالطا وقولا ليس نعرفه

أخذه: من قول عمر بن أبي ربيعة من أبيات يصف بها قواده:

فأتتها طبة عالمة ... نمزج الخد مراراً باللعب

تغلظ القول إذا لانت لها ... وترخى عند سورات الغضب

قيل إن ابن عتيق قال لعمر لما سمع قوله هذا ما أحوج المسلمين إلى خليفة يدبر أمرهم مثل قوادتك هذه.

ومثل قول الواو قول الآخر:

ألا يا نسيم الريح بلغ رسلتي ... سليمى وعوض بي كأنك مازح

<<  <   >  >>