للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا البيت حكاية لطيفة اتفقت لقائله مع الحجاج وهي مشهورة بين أهل الأدب أضربت عن اثباتها هنا خوف الإطالة وقال الطغرائي:

فسر بنا في ظلام الليل معتسفاً ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل

وقال آخر:

وليس نسيم المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف

وقال آخر:

لو كان يوجد ريح مسك فائح ... لوجدته منهم على أميال

وقال ابن الرومي:

أعقبته من طيب ذكرك نفحة ... كادت تكون ثناءك المسموعا

وقال المتنبي:

وتفوح من طيب الثناء روائح ... لهم بكل مكانة تستنشق

[فصل]

ومن أحسن ما سمعته في العيادة قول الطغرائي

خبروها اني مرضت فقالت ... اضنى طار فاشكا أم تليدا

وأشاروا بأن تعود وسادي ... فأبت وهي تشتهي أن تعودا

واتتني في خفية وهي تشكو ... ألم الشوق والمزار البعيدا

ورأيتني كذا فلم تتمالك ... أن أمالت علي عطفاً وجيدا

أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ جمال الدين بن نباتة:

وملولة في الحب لما أن رأت ... أثر السقام بعظمي المنهاض

قالت تغيرنا فقلت لها نعم ... أنا بالسقام وأنت بالأمراض

وما أحسن قول ابن السليمان:

وأنا الذي أضنيته وهجرته ... فهل صلة أو عائد منك للذي

وقال آخر:

لا تهجروا من لا تعود هجركم ... وهو الذي بلبان وصلكم غذى

ورفعتم مقداره بالابتدا ... حاشاكمو أن تقطعوا أصله الذي

ومن عظيم ما يحكى عن الملك المعظم عيس بن الملك العادل أن شرف الدين بن عنين كتب إليه وهو ضعيف:

انظر إليّ بعين مولى لم يزل ... يولى الندى وتلاف قبل تلافي

أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم ثوابي والثناء الوافي

فحضر إليه الملك المعظم بنفسه ومعه صرة فيها ثلثمائة دينار وقال أنت الذي وهذه صلتك وأنا العائد قلت وقد استخدم ابن عنين الصلة والموصول وأجاد وعامله الملك المعظم في السبق إلى فهم مقصوده معاملة الجواد ولو وقع هذا من مثل سيبويه لكان أدل دليل على فضله وسداد نبله فما الشأن بوقوعه من هذا الملك المعظم شأنه العظيم سلطانه فكم أقر لابن عنين عيناً ووفى عنه ديناً فغال به السول وطرب من الصلة والعائد بيره الموصول لا جرم أنه ملأ بمدائحه ديوانه وقال فيه م قصائده الطنانة:

كريم الثنا عار من العار باسل ... جميل المحيا كامل الحسن والحسني

لعمرك ما آيات عيسى خفية ... هي الشمس للأقصى سناها وللأدنى

ولي أنا من قصيدة في هذا الوزن أمدح بها مولانا السلطان الملك الناصر مخلصها.

تطاول غصن البان يحكي قوامه ... فقلت له والله قد جئت في المعنى

ولكن بدراً التم والبحر قصرا ... عن الناصر السلطان في الحسن والحسنى

ومن ظريف ما اتفق لابن عنين هذا مع الملك المعظم أنه حضر في وقت بين يديه مع جماعة من الشعراء فقال لهم السلطان لا بد أن تهجوني في وجهي فقبلوا الأرض واستعفوا من ذلك فقال لا بد من ذلك وألح عليهم فقال ابن عنين.

نحن قوم ما ذكرنا لامرئ ... قط إلا واشتهى أن لا يرانا

فقال له السلطان صدقت فقال: شعرنا مثل ال.... ... ....

فقال السطان لا والله قبحك الله.

فقال صقع الله به أصل لحانا.

رجع الكلام إلى العيادة ما أحسن قول السراج الوراق:

قال صديقي ولم يعدني ... وعارض السقم في أثر

لقد تغيرت يا صديقي ... ويعلم الله من تغير

وقوله أيضاً:

مرضت لله قوما ... ما فيهم من جفاني

عادوا وعادوا وعادوا ... على اختلاف المعاني

ولهذا البيت أشباه ونظائر ذكرتها في كتابي الطارئ على السكردان منها ما حكي عن القاضي أبو بكر ابن العرب وقد وقف على حلقته وهو مشتغل بالعلم شاب مليح وبيده رمح فقال له بعض الفقهاء: اذهب بهذا الرمح فهز الرمح وقال: الساعة أضربك به فأنشد القاضي أبو بكر في الحال لنفسه:

يهددني بالرمح ظبي مهفهف ... لعوب بالباب البرية عابث

<<  <   >  >>