للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه

فخذ بحقك أولاً ... فاصفح بفضلك عنه

إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه

وقال آخر:

ما أحسن العفو من القادر ... لا سيما عن غير ذي ناصر

يا غاية القصد وأقصى المنى ... وخير مرعى مقلة الناظر

إن كان لي ذنب ولا ذنب لي ... فما له غيرك من غافر

أعوذ بالود الذي بيننا ... أن تفسد الأول بالآخر

كان أبو محمد اليزيدي ينادم المأمون فغلب عليه الشراب ذات ليلة فعربد فأمر المأمون بحمله إلى منزله برفق فلما أفاق استحيا وانقطع عن الركوب أياماً فلما طال عليه ذلك كتب إلى المأمون أبياتاً منها.

أنا المذنب الخطاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو

سكرت فأبدت مني الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السكر والصحو

ولا سيما أن كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما أن يجوز به اللغو

فلما قرأها المأمون وقع في الرقعة سر إلينا فقد عفونا عنك فلا عتب عليك وبساط النبيذ يطوي معه أخذه الشاعر فقال:

إنما مجلس الشراب بساط ... فإذا ما انقضى طوينا بساطه

وقال ابن سنا الملك: وما ذلك الحبيب فإنه حضر متفضلاً وجاء متذللاً لا متدللاً واستجار بحرم الحرمة وخفض جناح الذل من الرحمة واعتذر بأن الإدلال دلاه بغرور وأوقعه في أمور وأخرجه من الظمات إلى النور فقبل عذره وقبل ثغره وامتثل أمره وثنى عنان القلب إليه حسن تثنيه وأذهبت حلاوة جني ريقه مرارة تجنيه.

وذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسته بألف شفيع

وقال الآخر:

وزعمت بأني ظالم فهجرتني ... ورميت في قلبي بسهم نافذ

فنعم ظلمتك فاعذري وتجاوزي ... هذا مقام المستجير العائد

وقال ابن زيدون:

يا قمراً مطلعه المغرب ... قد ضاق بي في حبك المذهب

ألزمتني الذنب الذي جئته ... صدقت فاصفح إنني المذنب

فإن من أغرب ما مر بي ... أن عذابي فيك مستعذب

وقال آخر:

وما قابلت عفوك باعتذار ... ولكني أقول كما تقول

سأطرق باب عفوك باعتذار ... ويحكم بيننا الخلق الجمول

[الباب السادس عشر]

[إغاثة العاشق المسكين]

[إذا وصلت العظم السكين]

أقول هذا باب عقدناه لذكر أكثر الناس فتوة وأغزرهم مروة وأرقهم قلباً وأحسنهم مربى ممن أصبح بين المحبين قديم هجر وهجرة وأمس له بكؤس المحبة ألف سكرة لا جرم أنه أعان ذوي المحبة ووازن بنفسه من في قلبه من الغرام مثقال حبة فسعى في إصلاح حاله وساواه بنفسه وماله والله القائل في هذا المعنى.

قف مشوقاً أو مسعداً أو حزيناً أو معيناً أو عاذراً أو عذولاً فإن كنت خالياً من ذلك كله.

أعني بأطماع كذوب على النوى إذا لم تقاتل يا جبان فشجع قلت أولا أقل من ذلك يا ابنة مالك والهل القائل في ذلك:

لو تعلم الناس من شوقي ومن كافي ... ما بت أعلمه استسقوا بميعاد

واستشفعوا لي إلى ألفي بأجمعهم ... وجاء عائدهم في ذي قوّاد

ومن أعجب ما سمعته في إغاثة العاشق والأخذ بثأره وما حكاه الجاحظ قال بلغني أن عاشقاً مات بالهند عشقاً فبعث ملك الهند إلى المعشوق فقتله. وقال الخرائطي كان رجل نحاس عنده جارية لم يكن له سلوة غيرها وكان يعرضها في المواسم فتغالي الناس فيها حتى بلغت مبلغاً كثيراً من المال وهو يطلب الزيادة فعلقها رجل فقير فكاد عقله أن يذهب فلما بلغه ذلك وهبها له فعوتب في ذلك فقال أني سمعت الله يقول: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " أفلا أحيي الناس جميعاً.

وحكى الخرائطي أنه كان لبعض الخلفاء غلام وجارية من غلمانه وجواريه متحابين فكتب الغلام إليها يوماً.

ولقد رأيتك في المنام كأنما ... عاطيتني من ريق فيك البارد

وكأن كفك في يدي وكأننا ... بتنا جميعاً في فراش واحد

فطفقت نومي كله متراقدا ... لأراك في نومي ولست براقدا

فأجابته الجارية:

<<  <   >  >>