للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكتب على الطراز الأيسر:

خطت صحيفة وجهه ... في صفحة القمر المنير

ومن غريب ما يحكى أن يزيد بن عبد الله بن مروان كان صباً بحبابة جاريته فخلا يوماً في لهو معها وقل: لا كذبن قول من قال أن الدهر لا يصفو لأحد يوماً وأحضر حاجبه وقال له: لا تأذن لأحد يدخل علي ولا تعلمني بخبر ولو كان فيه ذهاب ملكي مدة هذا اليوم وأقام معها في أتم حال فتناولت رماناً فشرقت فماتت لوقتها فعرض له عليها طرف من الوله فحال بينه وبين الصبر ومنع من دفنها حتى سأله جماعة من بني أمية في دفنها ولاطفوه في ذلك فأمر بدفنها وقال:

فإن تسل عنك النفس أو تدع الهوى ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد

وقيل أنه لم يقم بعدها إلا سبعة أيام ومات أسفاً عليها ومثل فعله هذا في عدم دفنه لمحبوبته ما حكيته في نقل الكرام في مدح المقام في الباب الرابع عن السلطان جلال الدين خوارزم شاه لما مات مملوكه فلج منع من دفنه فكان يحمل معه في محفة وكلما حضر بين يديه طعام. قال: احملوا هذا إلى فلج. فقال له بعض الأمراء: أيها الملك قد مات فلج. فضرب عنقه فلا حول ولا قوة إلا بالله. وتمام حكايته ذكرتها في الكتاب المذكور.

[الباب الثالث]

[ذكر من عشق على السماع]

[ووقع مع الحبيب في النزاع]

أقول هذا باب عقدناه لذكر من عشق قبل أن يرى فتم عليه ما تم لما جرى من دمعه ما جرى فأصبح لا يقر له قرار بعد أن كان قرير العين وشهد على عينيه بما لم تريا فكان كمن كلف أن يعقد بين شعيرتين كم ليلة رقص فيها على السماع وجمعة سهر من لياليها مثنى وثلاث ورباع فهوا على طبقة ممن عشق باللمس أو غيرها من بقية الحواس الخمس والظاهر أن ذلك لمشاكله بينه وبين المحبوب في نفيس الأمر أو تعارف سابق في عالم الذر كما قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس في الاقتباس:

محبة ما عرفت الدهر سلوتها ... تسري إلى النفس أو تجري مع النفس

وما لها آخر لكن أولها ... تعارف سابق في حضرة القدس

في عالم الذر ناجاني البشير بها ... أهلاً بميتها طهرا من الدنس

أشهى إلى القلب من أمن علي وجل ومن مجال الكرى في الأعين النعس قولي لمشاكله بينة وبين المحبوب إلى آخره فيه إشارة إلى أنك لا تحد اثنين يتحابان إلا وبينهما مشاكلة واتفاق في بعض الصفات لا بد من هذا. ولهذا اغتنم أبقراط حين وصف له رجل من أهل النقص أنه يحبه. فقال: ما احبني إلا وقد وافقته في بعض أخلاقه. ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل عائشة رضي الله عنها عن امرأة كانت تدخل على نساء قريش فتضحكهن قدمت المدينة فنزلت على امرأة تضحك الناس بها فقال: على من نزلت فلانة. فقالت: على فلانة المضحكة. فقال: الحمد لله الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وأنشد طرفة:

تعارف أرواح الرجال إذا التقوا ... فمنهم عدو يتقي وخليل

وقال أبو الهذيل العلاف: لا يجوز في دور الفلك ولا في تركيب الطبيعة ولا في القياس ولا في الحس ولا في الممكن ولا في الواجب أن يكون محب ليس لمحبوبه إليه ميل والظاهر أن هذا للسر الذي ذكرناه من وجودج ما بينهما من المشاكلة، فإن قلت فقد رأينا من أحب من لا يحبه ولا يلتفت إليه. قلت: ذكر عن ذلك أجوبة أحسنها أن يقال المحبة على قسمين: القسم الأول: محبة غرضية، فهذه لا يجب الاشتراك فيها بل يقابلها مقت المحبوب وبغضه للمحب كثيراً، إلا إذا كان له معه غرض نظير غرضه فإنه يحبه لغرضه منه كما يكون بين الرجل والمرأة لأن لكل منهما غرضاً مع صاحبه.

القسم الثاني: محبة روحانية، سببها المشاكلة والاتفاق بين الروحين فهذه لا تكون إلا من الجانبين ولا بد فلو فتش المحب محبة صادقة قلب محبوبه لوجد عنده من محبته نظير ما عنده أو فوقه أو دونه وذكر بعضهم أن سبب المحبة ثلاثة أشياء أما رؤية صورة أو سماع نغمة أو سماع صفة فهذه الثلاثة هي أصل ينبوع المحبة إذ لا يخلو حب أحد من أن يستند إلى شيء منها وقد قيل ثلاث محبات فحب علاقة.

وحب تملاق رحب هو القتل وأحوال الناس تختلف في ذلك فمنهم من يحب بمجرد الوصف دون المعاينة فيفني بمن وصف له محبة وما رآه ولكن وصفه له واصف كما قيل:

<<  <   >  >>