للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمي

أخذه القاضي الفاضل فقال ... عللوني عن الشآم بذكر

أن قلبي عليه بالأشواق

مثلته الذكرى لسمعي كأني ... أتمشى هناك بالأحداق

وقال بعض الحكماء أن الله عز وجل جعل القلب أمير الجسد وملك الأعضاء فجميع الجوارح تنقاد له كل الحواس تطيعه وهو مديرها وبإرادته تنبعث ووزيره العقل وعاضده الفهم ورائده العينان وطليعته الأذنان وهما في باب النقل سيان لا يكتمانه شيئاً ولا يطويان عنه سراً يعني العين والأذن وقيل لأفلاطون: أيهما أشد ضرراً السمع أم البصر فقال: هما للقلب كالجناحين للطائر لا ينهض إلا بهما ولا يستقل إلا بقوتهما وربما قص أحدهما فتحامل بالآخر على تعب ومشقة قيل فما بال الأعمى يحب وما رأى والأصم يحب وما سمع فقال له: لذلك قلت: أن الطائر قد ينهض بإحدى جناحيه ولا يستقل طيراناً فإذا اجتمعا كان ذهابه أمضى وطيرانه قوي وكان يقال الحب أوله السماع ثم النظر كما أن أول الحريق الدخان ثم الشرر.

حكي إن أبي تمام أنه سمع جارية تغني بالفارسية فشجاه صوتها فقال:

ولم أفهم معانيها ولكن ... شجت قلبي فلم أحمل شجاها

فكنت كأنني أعمى معنى ... يحب الغانيات ولا يراها

قال ابن طاهر قلت لأبي تمام: أخذت هذا المعنى من أحد فقال: نعم من قول بشار:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا

قالوا لمن لا ترى تهوى فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

قلت والظاهر أن بشار أخذ قوله هذا من كلام الحكم المتقدم ذكره وتبعه أبو يعقوب الخزيمي فقال:

قالت وتهزأ بي غداة لقيتها ... يا للرجال لصبوة العميان

فأجبتها نفسي فداؤك إنما ... عيني وأذني في الهوى سيان

وقال بشار أيضاً الحب إنما يتولد بالقلب والفكر وأنشد في ذلك.

يزهد في حب عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي

فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يعشق ذو اللب

وما تبصر العينان في موضع الهوى ... لا تسمع الأذنان إلا من القلب

وقال الحصري وقد صدق فيما نطق إنما أحست الحواس الخمس بواسطة توسطتها النفس وقد قال الخليل بن أحمد.

إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يرعاك قلبي وإن غيبك عن بصري

العين تبصر من تهوى وتعشقه ... وناظر القلب لا يخلو من النظر

وقال مظفر بن إبراهيم الأعمى في الاعتذار عن العشق مع العمى:

قالوا عشقت وإنك أعمى ... ظبياً كحيل الطرف ألمي

وحلاه ما عاينتها ... فتقول قد شغفتك وهما

وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألما

من أين أرسل للفؤاد ... وأنت لم تنظره سهماً

ومتى رأيت جماله ... حتى كساك هواه سقماً

وبأي جارحة وصلت ... لوصفه نثراً ونظماً

والعين داعية الهوى ... وبه تنم إذا استتما

فأجبت أني موسميّ ... العشق انصاتا وفهما

أهوى بجارحة السما ... ع ولا أرى ذات المسمى

وقال المدني:

أيا من لامني في حب ... من لم يره طرفي

لقد أفرطت في وصفك ... لي في الحب بالضعف

فقل هل تعرف الجنة ... يوما بسوى الوصف

وما أحسن قول المهذب ابن الشحنة من قصيدة مدح بها مولانا السلطان الملك الناصر صلاح الدين أيوب مطلعها:

وإني امرؤ أحببتكم لمارم ... سمعت بها والأذن كالعين تعشق

وقالت لي الآمال إن كنت لاحقاً ... بأبناء أيوب أنت الموفق

وقلت أنا من قصيدة أمدح بها مولانا السلطان الملك الناصر حسن وفيه زيادة حسنة مطلعها:

وحياة وجهك وهو بدر مشرق ... قلبي عليك كما عملت واشفق

يا من إذا لاح آس عذاره ... أمسي ولي بالعيش غصن مورق

ما لاح خدك بالعذار مكاتباً ... إلا ظننت بأنه معتق

ومنها

<<  <   >  >>