للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال كذب المأمون وأكل من ... رطلين وربعاً بالميزان وأخطأ وأساء الأدب هلا قال كما قلت أنا:

وباض الحب في قلبي ... فوا ويلا إذا فرخ

وما ينفعني الحب ... إذا لم أكسر البربخ

وإن لم يطرح الأصلع ... فزجيه عن المطبخ

ثم قال لي كيف رأيت قلت عجباً من العجب قال كنت ظننت أنك تقول غير هذا قابل يدي فارفعها قلت قول المأمون إن نكح الحب فسد هذا على قول من يرى ذلك كما ذكر المرزباني أن أعرابياً قال علقت أمرأة كنت آتيها فأخذتها وما جرت بيننا ريبة قط إلا أني رأيت بياض كفها في ليلة ظلماء فوضعت يدي على يديها فقالت مه لا تفسد ما صلج فإنه ما نكح الحب إلا فسد. وحكى عن بعض الأدباء أنه كان يعشق جارية فقالت أنت صحيح الحب كامل الوفاء فقال نعم قالت فامض بنا حيث شئت فلما حصل في منزله لم يكن همه إلا أن رفع ساقيها وجعل يجامعها بجميع جوارحه فقالت له وهي في القالب.

أصرفت في ني ... وال ... مصلحة ... فارفق بفضلك إن الرفق محمود

فأجابها وهو في عمله لا يفتر:

ولم أ ... ذ ... من تبقى مودته ... لكن ذ ... هذا ذ ... مجهود

فنفرت من تحته وقالت يا فاسق أراك على خلاف ما قلت كأنك تجعل جماعي سبباً لذهاب حبك والله لا جمعني وإياك سقف بعد هذا أبداً وعلى هذا القول جماعة أعني أن الحب إذا نكح فسد ومنهم من قال لا يستحكم الحب إلا بعد إيقاع الوطء وأنه إذا وقع الوطء ازدادت المحبة ويسمونه مسمار المحبة كما قيل:

لم يصف حب لمعشوقين لم يذقا ... وصلاً يجل على كل اللذاذات

وقال هدبة بن الخشرم:

والله لا يشفى الفؤاد الهائما ... نفث الرقي وعقدك التمائما

ولا الحديث دون أن تلازما ... وتعلق القوائم القوائما

وقال آخر:

قولا لعاتكة التي ... في نظرة قضت الوطر

إني أريدك للنكاح ... ولا أريدك للنظر

لو كنت مقتنعاً بذ ... لك كان هذا للقمر

كان زهير بن مسكين يهوى جارية واستهام بها فلما أمكنته من نفهسا لم تر عنده ما يرضيها فذهبت ولم ترجع إليه بعد فقال فيها أشعاراً كثيرة منها:

تقول وقد قبلتها ألف قبلة ... كفاك أما شيء لديك سوى القبل

فقلت لها حب على القلب حفظه ... وطول سهاد تستفيض له المقل

فقالت وأيم الله ما لذة الفتى ... من الحب في قلب يخالفه العمل

وأما نكاح الطيف فاختلفوا فيه فذهب أبو تمام الطائي إلى أنه لا يفسد الحب بخلاف نكاح الحقيقة وخالفه في ذلك جماعة ومنهم من إذا أفضى إلى معشوقه اقتصر على الرشف وعفة النفس وخوف الوقوع في الكبيرة إذا كان محبوبه ممن لا يجوز له نكاحه كما قيل:

ولرب لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع

وقال آخر:

أتأذنون لصب في زيارتكم ... فعندكم شهوات القلب والبصر

لا يضمر السوء إن طال الوقوف به ... عف الضمير ولكن فاسق النظر

وقال آخر:

خود حرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام

يحسبن من لين الحديث زوانيا ... ويصدهن عن الخنا الإسلام

وسيأتي ما ورد في هذا المعنى في باب العفاف والثاني ما قاله العلماء في أسباب الباه وهو أن شهوة القلب ممتزجة بلذة العين وحب النفس معقودة باختيار الطبائع إلا ان يكون الحب تكلفاً لاستفراغ ماء الشهوة فيصير الحرص على الجماع على قدر الهوى والهوى على قدر المؤانسة فيمن وافقت عينه قلبه ونفسه طباعه ممن يحب تمكن حبه وارتفعت عنه شهوة الجماع فوقع فيما تكره المرأة من الرجل كما قيل:

رأت حبي سعاد بلا جماع ... فقالت حبلنا حبل انقطاع

إذا المحبوب لم يك ذا ممر ... رأى المعشوق كالشيء المضاع

وزعم بعضهم أن من جملة ما يتداوى به من لم يفز بالظفر السفر كما قال بعضهم:

إذا ما شئت أن تسلو حبيباً ... فأكثر دونه عدد الليالي

وقال آخر:

وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأي يشفي من الوجد

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد

<<  <   >  >>