للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها أنه يستدعي سماع اسم محبوبه ويستلذ الكلام في أخباره ويحب أهل محبوبه وقرابته وغلمانه وجيرانه ومن ساكنه كما قال الشاعر:

فيا ساكني أكتاف دجلة كلكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب

وقال آخر:

أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب

ومنها كثرة غيرته عليه ومحبة القتل والموت ليبلغ رضاه والإنصاف لحديثه إذا حدث واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وتصديقه وإن كذب وموافقته وإن ظلم والشهادة له وإن جار وأتباعه كيف يسلك والإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه والتعمد للقعود بقربه والدنو منه واطراح الأشغال الشاغلة عنه والزهد فيها والرغبة عنها والاستهانة بكل خطب جليل داع إلى مفارقته والتباطئ في المشي عند القيام عنه وجوده بكل ما يقدر عليه مما كان يتمتع به قبل ذلك حتى كأنه هو الموهوب له وهذا قبل استعار نار الحب فإذا تمكن أعرض عن ذلك كله وبدله سؤالاً وتضرعاً كأنه يأخذه من المحبوب حتى أنه يبذل نفسه دون محبوبه كما كانت الصحابة يفدون النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب بنفوسهم حتى يصرعوا حوله كما قيل:

بفديك بالنفس صب لو يكون له ... أعز من نفسه شيء فداك به

ومنها الانبساط الكثير الزائد والتضايق في المكان الواسع والمحاربة على الشيء يأخذه أحدهما وكثرة الغمز الخفي والميل والتعمد للمس اليد عند المحادثة ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة وشرب ما أبقى المحبوب في الإناء قلت ومنها تقبيل نعله في غيبته وقد رأيت من فعل هذا فعنفته على ذلك فقال: أسكت يا فلان ما تعلم ما في هذا من اللذة ثم أني وجدت هذا المذكور بمكة وأرسل معي كتاباً إلى محبوبه المذكور لأنه جاور فقلت له: كيف أمكن الصبر يا زيد عن عمرو فأنشد:

ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني والخلاعة جانب

ومنها تقبيل جدار الدار كما قيل:

أقبِّل ذا الجدار وذا الجدار ... أمر على الديار ديار ليلى

وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

ومنها الاتفاق الواقع بين المحب والمحبوب ولا سيما إذا كانت المحبة محبة مشاكلة ومناسبة فكثيراً ما يتكلم المحبوب بكلام أو يريد أن يتكلم به فيتكلم المحب به بعينه وكثيراً ما يمرض المحب بمرض محبوبه قلت وقد اتفق هذا غير مرة للسلطان الملك الناصر أحمد لما كان بالكرك مع محبوبه الشهيب فإنه كان يمرض لمرضه ويصح لصحته أخبرني بذلك من لا ارتاب في قوله ممن كان في خدمته ملازماً له وأما وقوع ذلك للمتقدمين فكثير فمن ذلك ما حكى عن أبي نواس أنه مرض فدخل عليه بعض أصحابه يعودونه فوجدوا به خفة قال فانبسط معنا وقال: من أين جئتم فقلنا: من عند عنان جارية الناطقي فقال: أو كانت عليلة قلنا: نعم وقد عوفيت الآن فقال: والله لقد أنكرت علتي هذه ولم أعرف لها سبباً غير أني توهمت أن ذلك لعلة نالت بعض من أحب ولقد وجدت في يومي هذا راحة ففرحت طمعاً أن يكون الله عافاه منها قبلي ثم دعا بدواه وكتب إلى عنان:

إني حممت ولم أشعر بحماك ... حتى تحدث عوادي بشكواك

فقلت ما كانت الحمى لتطرقني ... من غير ما سبب إلا بحماك

وخصلةٍ كنت فيها غير متهم ... عافاني الله منها حين عافاك

حتى إذا اتفقت نفسي ونفسك في ... هذا وذاك وفي هذا وفي ذاك

<<  <   >  >>