للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إنه قلب رسخ فيه الإيمان واستمكن، فأحدث ذلك أثرًا في اللسان بحركة دائبة في الذِّكر، حين القيام، والاضطجاع، والقعود، وحين الدخول والخروج، وحين الأكل والشرب، وحين اليقظة وعند النوم، وفي الحضر والسفر، وفي الليل والنهار، فهو دائم الافتقار إلى الله والتعلق به لا يغفل ساعة ولا أدنى من ذلك، فإنْ غفل أو توانى وَجَدَ ثقلًا في النفس، وشعورًا بالنقص لا يَسدُّه إلا مراجعة المسار، وعود القلب إلى مَعينِه ونَعيمِه، ومِنْ ثَمَّ تسطع أنواره، وتتهلل سبحات وجهه.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» (١)، وفي رواية: «إِنَّهُ لَيُغَانُ (٢) عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ


(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢٠٧٥) رقم (٢٧٠٢) (٤٢) من حديث الأغر المزني - رضي الله عنه -.
(٢) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (١٧/ ٢٣ - ٢٤): «قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه ليغان على قلبي» قال أهل اللغة: الغين -بالغين المعجمة- والغيم بمعنى، والمراد هنا: ما يتغشى القلب، قال القاضي: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه، قال: وقيل هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم، وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك، فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته ... ».

<<  <   >  >>