أحضر لرسالة الدكتوراه، حيث اشتدت صلتي بكتب الأصول والقواعد واختلاف الفقهاء، وما ان وقع بصري على بعض مسائله، حتى استهوتني قراءته، ورأيتني مسوقا إلى الصلة بكتاب، يسير مؤلفه وفق منهج مرسوم، وخطة واضحة المعالم تخرج بقارئ الفقه وأصوله من حدود النظريات المحبوءة أحيانا، إلى التطبيق العملي الواضح.
وهي طريقة لشد ماهفت إليها النفس منذ أيام الدراسة في الأزهر والحقوق.
وأدركت بعد قراءة الكتاب والامعان فيه، ان من الخير أن يخرج مثل هذا المؤلف إلى عالم النور ليملأ في الجانب التشريعي من المكتبة الاسلامية فراغا يشعر به رواد الفقه الاسلامي وخصوصا أولئك الذين يرون في هذا الفقه - والحق مايرون - أهلية الإمامة فيما عرف الناس في الماضي، ويعرفون اليوم، من فقه وقانون.
وعلى ضيق في الوقت استعنت الله في تحقيقه وإخراجه، آملا أن يكون لي من ملاحظات الباحثين ما يساعد في طبعة ثانية على استدراك ما يكون قد فات إن شاء الله.
والكتاب محاولة منهجية ناجحة، وأنموذج رائع المخطط يرسم علاقة الفروع والجزئيات من أحكام الفقه، بأصولها وضوابطها، من القواعد والكليات ضمن إطار لتقييد الاختلاف بين المذهبين الشافعي والحنفي، وبيان الأصل الذي ترد اليه كل مسألة خلافية فيهما.
وفي رد الجزئيات إلى الكليات، وبيان الأصول التي ينتمي اليها الاختلاف، تعريف بأن الاختلاف في جملته لم يكن من الاختلاف المحرم، لأنه لم ينشأ عن عبث أو هوى، وانما كان في حدود ما يحل الاختلاف فيه (١).
(١) قول الإمام الشافعي في باب الاختلاف من «الرسالة» أن كل ما اقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا لم يحل الأختلاف فيه لمن علمه. قال: وما كان من ذلك يحتمل التأويل، ويدرك قياسا، فذهب المتأول أو القايس الى معنى يحتمله الخبر أو القياس - وإن خالفه فيه غيره: - لم أقل: انه يضيق عليه ضيق الخلاف. الرسالة ص: ٥٦.