ومهمته كذلك هي القضاء على ثنائية المركز والأطراف على مستوى الثقافة والحضارة. فمهما حاول رجال السياسة والاقتصاد القضاء على هذه الثنائية في ميدان السياسة والاقتصاد دون القضاء عليها مسبقاً في الثقافة فإن تبعية الأطراف للمركز في السياسة والاقتصاد قائمة.
ومن مهمة علم الاستغراب إعادة التوازن لثقافة المجتمعات، بدل هذه الكفة الراجحة للوعي الأوروبي والكفة المرجوحة للوعي اللاأوروبي. فطالما آن الكفتين غير متعادلتين سيظل الوعي الأوروبي هو الذي يمد ثقافة المجتمعات بنتاجه الفكري والعلمي وكأنه هو النمط الوحيد للإنتاج. وبالتالي يستمر هذا الظلم التاريخي الواقع على الثقافات غير المتميزة في سبيل الثقافة المتميزة.
ولا يتضمن هذا العلم الجديد مجرد إعلان لنوايا وتعبير عن أماني لدينا جميعاً بل أنه يمكن أن يحتوي على عدة بحوث عديدة ومراجعات للمفاهيم والتصورات من أجل إيجاد رؤى بديلة عن رؤي الوعي الأوربي (١).
ولا بد أن نبين أن المقصود بالدراسة في علم الاستغراب ليس هو فقط العدو الخارجي ولكن ثمة أناس من أبناء جلدتنا يمكن أن يكونوا أخطر من العدو الخارجي: هم أولئك الذين تأثروا بالفكر الغربي وأصبحت لهم مواقف مختلفة في النواحي الفكرية والثقافية والسياسية لا تتفق مع المنهج الإسلامي في التفكير، فقد يبدي عداءً للغرب أو للآخر الحقيقي ولكنه في الوقت نفسه يتبنى كثيراً المواقف المنافية لمصالح الأمة الإسلامية.