هذا المصطلح ربما فهم منه أول ظهوره: مجموعة من أبناء الأمة الإسلامية الذين تأثروا بالغرب في سلوكهم وأخلاقهم وأفكارهم. وهذا المصطلح هو التغريب فأصبح هؤلاء يعرفون بالمستغربين. وليس كل مستغرب بهذا المعنى ينطوي تحت علم الاستغراب.
أما الاستغراب الذي نتحدث عنه فهو محاولة معرفة الغرب من الداخل معرفة علمية موضوعية موثقة.
فالاستغراب كمصطلح هو ما يقابل الاستشراق، وهذا العلم يمكننا من دراسة الغرب، فهو: العلم الذي يهتم بدراسة الغرب (أوروبا وأمريكا) من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية .. الخ.
وهذا المجال لم يصبح بعد علماً مستقلاً، ولكن من المتوقع في ضوء النهضة العلمية التي تشهدها البلاد العربية والإسلامية أن تقوم مراكز البحث العلمي ووزارات التعليم العالي في العالم الإسلامي بشحذ الهمم وتسرع الخطى وتغذ السير لإنشاء أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية.
وقد قدّم حسن حنفي مبرراته لتحولنا من ذات مدروسة إلى ذات دارسة بقوله عن مهمة علم الاستغراب بأنها " فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس، مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب، لغة وثقافة وعلماً ومذاهب ونظريات وآراء مما يخلق فيهم إحساساً بالدونية ... "، ويقول في موضع آخر إن " مهمة علم الاستغراب هو القضاء على المركزية الأوروبية ... مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده أبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء، ودور النشر الكبرى، ومراكز الأبحاث العلمية، والاستخبارات العامة ... "(١).
(١) مقدمة في علم الاستغراب، حسن حنفي، ص ٢٤، الدار الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت ١٤١٢ - ١٩٩٢.