للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: نشأة علم الاستغراب]

إن المسلمين في عصور ازدهارهم اهتموا بعقائد الأمم الأخرى وأسسوا علم الملل والنحل، وكتب في ذلك ابن حزم والبغدادي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم كثير.

لذلك فإن المسلمين الأوائل لم يجدوا صعوبة في التعرف على الشعوب الأخرى والتفاعل معها وأخذ ما يفيدهم مما لدى الأمم الأخرى من وسائل المدنيّة، دون أن تتأثر عقائدهم، حيث أخذوا الديوان والبريد وبعض الصناعات المهمة مثل صناعة الورق (الكاغد) التي طورّها المسلمون حتى أصبحت صناعات إسلامية.

واستمرت معرفتنا بالأخر حتى عندما التقى المسلمون بالنصارى في الحروب الصليبية فقدم لنا أسامة بن منقذ وصفاً دقيقاً لطباع الإفرنج، فهو يصف شجاعتهم وقوتهم وجلدهم، ولكنه يتعجب من ضعف غيرتهم أو عدمها على الأعراض، ويتحدث عن هذه النقطة بتفاصيل دقيقة مثيرة للاهتمام (١).

ولعل بداية دراسة الغرب كانت فيما نقله رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وغيرهما عن أوروبا وكان من أبرز ما اهتما به النظام السياسي الغربي القائم على الانتخاب والحريات السياسية. كما اهتما بجوانب من الحياة الاجتماعية في الغرب وعلاقة الرجل بالمرأة. وكانت تلك النظرة التي ظهرت في كتابات التونسي والطهطاوي في وقت كانت قوة الغرب في عنفوانها وكان العالم الإسلامي يقاسي من ويلات التخلف فلا بد أن يصاب هؤلاء بالانبهار بالنموذج الغربي وإن كانا قد حاولا أن يربطا المحاسن الغربية (في نظرهم) بما في الإسلام.

وقد تجددت الدعوة لدراسة الغرب في منتصف هذا القرن في أحد مؤتمرات المستشرقين الدولية فقد أشار رودي بارت في كتابه الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية إلى أهمية أن يتوجه العالم الإسلامي لدراسة الغرب أسوة بما يفعله الغرب في دراساته للعالم الإسلامي.

وقد تناول هذا الموضوع الدكتور السيد محمد الشاهد في خطة علمية قدمها لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام ١٤١٠ وذكر حول أهداف هذه الدراسة: " طلب علوم الغرب للإفادة من صالحها وبيان فساد طالحها، والخلفية الفكرية للفكر الغربي." (٢)، وأوضح من ضمن الموضوعات التي يمكن دراستها:

(أ) دراسة عقيدة الغرب دراسة موضوعية بعيداً عن الحماسة والعاطفة.

(ب) وذكر في مقالة أخرى أن " علينا أن نبحث عن مخرج من موقفنا الضعيف إلى موقع قوي مؤثر، ولا يمكن ذلك إلاّ بدراسة علمية صادقة لما عليه أعداؤنا ولا حرج أن نتعلم من تجاربهم ومناهجهم ونأخذ منها ما ينفعنا ونترك منها ما عدا ذلك" (٣).


(١) الاعتبار لأسامة بن منقذ، تحقيق د. قاسم السامرائي (الرياض: دار العلوم، ١٤٠٧) ص ١٥٢.
(٢) السيد محمد الشاهد." الاستغراب " في جريدة مرآة الجامعة، عدد ١٢٠، ٢٠ جمادى الأولى ١٤١٠.
(٣) السيد محمد الشاهد" المواجهة حضارية .. والنقد لا يكفي"، في جريدة المسلمون، عدد ٢٧٠، ١١ - ١٧ رمضان ١٤١٠.

<<  <   >  >>