للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآخر لَا يَكْفِي نَفسه وصريحه فِي معرفَة المُرَاد وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا لَا يخْتل بَيَانه على السَّامع وَالثَّانِي قد يخْتل بَيَانه على السَّامع فَالْأول ضَرْبَان أَحدهمَا أَن يكون بَيَانه بِالتَّعْلِيلِ وَالْآخر لَا بِالتَّعْلِيلِ أما التَّعْلِيل فضربان أَحدهمَا بطرِيق الأولى وَالْآخر لَا بطرِيق الأولى أما الأول من هذَيْن فَقَوْل الله عز وَجل {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فِي دلَالَته على الْمَنْع من ضربهما لِأَن كل عَاقل يعلم أَن ذَلِك يخرج مخرج التَّعْظِيم وَالْإِكْرَام فَعلم أَن الْمَنْع من التأفيف إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ أَذَى وَالضَّرْب قد شَارك التأفيف فِي الْأَذَى وَزَاد عَلَيْهِ ومقرر فِي الْعقل أَن من منع من شَيْء لغَرَض فَإِنَّهُ يمْنَع مِمَّا سواهُ وَزَاد عَلَيْهِ فِي معنى ذَلِك الْغَرَض وَهَذِه الْأُمُور فِي النَّفس لَا تختل على عَاقل وَالْكَلَام يدل مَعهَا على الْمَنْع من الضَّرْب وَإِن كَانَ الْكَلَام مَا وضع لَهُ وَأما الثَّانِي وَهُوَ التَّعْلِيل لَا بطرِيق الأولى فَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْهِرَّة إِنَّهَا لَيست بِنَجس إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات نعلم بذلك أَنه عِلّة فِي طَهَارَتهَا ونعلم أَن كل مَا هَذِه سَبيله فَظَاهر لِأَن الْعلَّة يتبعهَا حكمهَا

وَأما الْبَيَان الَّذِي لَا يخْتل وَلَيْسَ هُوَ بتعليل فضربان أَحدهمَا أَن يكون الْخطاب أمرا بِشَيْء فَيعلم وجوب مَا لَا يتم إِلَّا بِهِ لما تقرر فِي الْعقل أَن وجوب الشَّيْء يتبعهُ وجوب مَا لَا يتم إِلَّا بِهِ وَإِلَّا كَانَ إِيجَابا لما لَا يُطَاق وَلِهَذَا يعلم كل عَاقل أَن أَمر السَّيِّد غُلَامه بشري اللَّحْم من السُّوق يدل على وجوب مَشْيه إِلَى السُّوق وَالْآخر أَن يظْهر فِي الْعقل كَون ظَاهر الْخطاب غير مُرَاد وَيعلم بِالْعَادَةِ أَنه مُسْتَعْمل فِي وَجه من وُجُوه الْمجَاز فَيعلم أَنه مُرَاد الْمُتَكَلّم نَحْو قَول الله سُبْحَانَهُ {واسأل الْقرْيَة} وَلَو قيل إِن ذَلِك حَقِيقَة عرفية لجَاز

فَأَما الْخطاب الَّذِي يحْتَاج إِلَى بَيَان وَقد يخْتل بَيَانه على السَّامع فضربان أَحدهمَا يحْتَاج إِلَى بَيَان لوضع اللُّغَة وَالْآخر لَا لوضع اللُّغَة وَالْأول ضَرْبَان

<<  <  ج: ص:  >  >>