أَن نفعله على وَجه الْوُجُوب وَإِن علمنَا أَنه تنفل بِهِ كُنَّا متعبدين بالتنفل بِهِ فان علمنَا أَن فعله على وَجه الْإِبَاحَة كُنَّا متعبدين باعتقاد إِبَاحَته لنا وَجَاز لنا أَن نفعله وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خَلاد إِنَّا متعبدون بالتأسي بِهِ فِي أَفعاله الْعِبَادَات دون غَيرهَا كالمناكح وَمَا أشبههَا
وَالدَّلِيل على مَا ذَكرْنَاهُ أَولا قَول الله تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} والتأسي بِالْغَيْر فِي أَفعاله هُوَ أَن نَفْعل على الْوَجْه الَّذِي فعلهَا ذَلِك الْغَيْر وَلم يفرق الله عز وَجل بَين أَفعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُبَاحَة وَغَيرهَا إِن قيل الْآيَة تفِيد التأسي بِهِ مرّة وَاحِدَة كَمَا أَن قَول الْقَائِل لغيره لَك فِي الدَّار ثوب حسن يُفِيد ثوبا وَاحِدًا الْجَواب أَن ذَلِك إِن ثَبت تمّ غرضنا من التَّعَبُّد بالتأسيس بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجُمْلَة وَأَيْضًا فالآية تفِيد إِطْلَاق كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة لنا وَلَا يُطلق وصف الْإِنْسَان بِأَنَّهُ أُسْوَة لزيد إِذا كَانَ إِنَّمَا يَنْبَغِي لزيد أَن يتبعهُ فِي فعل وَاحِد وَإِنَّمَا يُطلق ذَلِك إِذا كَانَ ذَلِك الْإِنْسَان قدوة لزيد يَهْتَدِي فِي بِهِ أُمُوره كلهَا إِلَّا مَا خصّه الدَّلِيل
دَلِيل قَوْله سُبْحَانَهُ {فَاتَّبعُوهُ} يتَنَاوَل أَفعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الِاتِّبَاع يَقع فِي الْفِعْل ويتناول القَوْل فَكَانَ على إِطْلَاقه فَإِن قيل الِاتِّبَاع يكون فِي القَوْل وَفِي الْفِعْل وَلَيْسَ فِي قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} لفظ عُمُوم فَيتَنَاوَل القَوْل وَالْفِعْل فَمَا الْأمان أَن يكون المُرَاد اتِّبَاعه فِي القَوْل فَقَط الْجَواب أَن إِطْلَاق قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} وَإِن لم يفد الْعُمُوم فانه يُفِيد أَن لنا اتِّبَاعه فِي أَفعاله لِأَن ذَلِك اتِّبَاع لَهُ وَالْخطاب مُطلق
دَلِيل أَجمعت الْأمة على الرُّجُوع إِلَى أَفعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا ترى أَن السّلف رَضِي الله عَنهُ رجعُوا إِلَى أَزوَاجه فِي قبْلَة الصَّائِم وَفِي أَن من اصبح