وَقد قَالَ بَعضهم إِن قَول عمر لَا نَدع كتاب رَبنَا وَسنة نَبينَا لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا نسيت أم كذبت يدل على أَنه ترك قَوْلهَا لهَذِهِ الْعلَّة لَا لما ذكرتموه فِي أَنه لَو قبل خَبَرهَا فِي نَفسهَا لقبله فِي غَيرهَا الْجَواب أَنهم لَو قبلوا خَبَرهَا لدل على إخْرَاجهَا وَإِخْرَاج غَيرهَا وَكَانُوا تاركين للْكتاب لأَنهم لَا يكونُونَ تاركين للْكتاب إِلَّا باخراجها وَإِخْرَاج غَيرهَا فصح أَنهم إِنَّمَا يتركون الْكتاب لأجل قَوْلهَا وروايتها هُوَ الدَّال على تخصيصها وَتَخْصِيص غَيرهَا
إِن قيل قد قبل أهل قبا خبر الْوَاحِد فِي نسخ الْقبْلَة أفيتجوزون نسخ الْقُرْآن بأخبار الْآحَاد قيل ذَلِك جَائِز فِي الْعقل وَقد كَانَ مَعْمُولا فِي صدر الْإِسْلَام بِدلَالَة حَدِيث أهل قبا ثمَّ نسخ ذَلِك وَدلّ على نسخه خبر عمر رَضِي الله عَنهُ وَإِجْمَاع السّلف عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو على رَحمَه الله لَا يمْتَنع أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُم إِنِّي أنفذ اليكم فلَانا بنسخ الْقبْلَة فاقبلوا خَبره فانه صَادِق وَذَلِكَ دلَالَة قَاطِعَة على صدقه
وَحكى قَاضِي الْقُضَاة رَحمَه الله فِي الشَّرْح عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه منع من نسخ الْقُرْآن بأخبار الْآحَاد فِي الْجُمْلَة دون التَّفْصِيل وَمعنى ذَلِك أَنه منع من نسخه بِخَبَر غير مَقْطُوع بِهِ وَجوز أَن يصل نسخه إِلَى بعض الْمُكَلّفين بِخَبَر وَاحِد فَيلْزمهُ الْعَمَل بِهِ دَلِيل الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد وَاجِب إِذا اخْتصَّ بشرائط وَهَذِه الشَّرَائِط حَاصِلَة فِيهِ إِذا عَارضه عُمُوم الْكتاب فَوَجَبَ الْعَمَل بِهِ
فان قيل من شَرط الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد أَن لَا يُعَارضهُ عُمُوم الْكتاب قيل قد أُجِيب عَن ذَلِك بِأَن إِجْمَاع الصَّحَابَة على وجوب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد يُوجب الْعَمَل بِهِ وَلَا يجوز أَن يشْتَرط فِي الْعَمَل بِهِ شَرط إِلَّا بِدَلِيل وَلَيْسَ على مَا اشْترط السَّائِل دَلِيل وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا يجب ذَلِك لَو أَجمعُوا على الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد بِلَفْظ عَام يتَنَاوَل حَال مُعَارضَة الْعُمُوم حت لَا يخرج مِنْهُ حَالَة من الْحَالَات إِلَّا لدلَالَة وَمَا اجْمَعُوا كَذَا بل اجْمَعُوا على الْعَمَل بِهِ فِي مَوضِع