وَأما التَّرْجِيح بأحوال الروَاة فانه يَقع بِقُوَّة الْأَحْوَال المراعاة فِي قبُول الْخَبَر وَهِي ضَرْبَان أَحدهمَا الدّين والورع والتحري وَالْآخر الْعلم والبصيرة بِمَا يرويهِ أما الأول فبأن يكون رَاوِي أحد الْخَبَرَيْنِ أَشد تحريا وَأكْثر ورعا وَأما الثَّانِي فضربان أَحدهمَا أَن تكون قُوَّة علم الرَّاوِي وَشدَّة بصيرته لَا تخْتَص بذلك الْخَبَر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ وَالْآخر يخْتَص بذلك الْخَبَر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ أما الأول فبأن يكون أَحدهمَا أضبط وَقد يكون أضبط لِأَنَّهُ أَشد تيقظا وأوفر عقلا وأغزر فقها وَقد يسْتَدلّ على أَنه أضبط بِكَوْنِهِ أَكثر اشتغالا بِالْحَدِيثِ وَأَشد انْقِطَاعًا إِلَيْهِ بقلة مَا يَقع فِي حَدِيثه إِلَيْهِ من الْخلَل فِي الْمَعْنى وَاللَّفْظ وَأما مَا يخْتَص الْخَبَر وَمَا يتَعَلَّق بِهِ فراجع إِلَى قُوَّة طَرِيق الرَّاوِي نَحْو أَن يروي زيد أَنه شَاهد عمرا بِبَغْدَاد فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ فِي وَقت السحر ويروي الآخر أَنه شَاهده فِي ذَلِك الْيَوْم بِالْبَصْرَةِ الظّهْر فان طَرِيق هَذَا أظهر وَدخُول اللّبْس على الرَّاوِي وَالْآخر أَكثر وَنَحْو أَن يُرْسل أَحدهمَا الحَدِيث ويسنده الآخر على قَول بَعضهم لِأَن الثِّقَة لَا يُرْسل الحَدِيث فَيَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَقد اشتدت ثقته بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك وَنَحْو أَن يكون أحد الراويين أَشد مُلَابسَة بِمَا رَوَاهُ فَيكون طَرِيقه إِلَيْهِ أظهر فَكَذَلِك رجعت الصَّحَابَة إِلَى أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَحْكَام الْجَنَابَة وَرجح الشَّافِعِي رِوَايَة أبي رَافع فِي تَزْوِيج مَيْمُونَة على رِوَايَة ابْن عَبَّاس لأَنا أَبَا رَافع السفير فِي ذَلِك فَكَانَ أعرف بالقصة وَنحن نذْكر الْآن الْأَدِلَّة على ذَلِك إِن شَاءَ الله
أما كَثْرَة الروَاة فقد رجح بهَا الشَّافِعِي وَالشَّيْخ أَبُو الْحسن وَلم يرجح بهَا قوم وَالدَّلِيل على التَّرْجِيح بِهِ أَن أحد الْخَبَرَيْنِ إِنَّمَا يرتجح على صَاحبه بِقُوَّة يتَمَيَّز بهَا وَكَثْرَة الْعدَد قُوَّة أما اعْتِبَار الْقُوَّة فِي الْأَخْبَار فقد رَجَعَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بأخبار الْآحَاد وَأَجْمعُوا على الِاحْتِيَاط فِي الْإِخْبَار وَأما أَن كَثْرَة الروَاة تحصل بهَا قُوَّة الْخَبَر فَلِأَن الروَاة إِذا بلغُوا حدا من الْكَثْرَة وَقع الْعلم بخبرهم فَكلما قاربوا تِلْكَ الْكَثْرَة قوي الظَّن لصدقهم وَلِأَن السَّهْو والغلط مَعَ الْكَثْرَة أقل وَكَذَلِكَ الْكَذِب لِأَن الْإِنْسَان يستحي أَن يطلع غَيره على كذبه وَلَا يستحي إِذا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute