وَمِنْهَا أَن يكون حكم أَحدهمَا قد ندبنا إِلَى إِسْقَاطه
أما إِذا كَانَ حكم احدهما هُوَ الأَصْل فضربان أَحدهمَا أَن يكون الأَصْل من حَال الْمَرْوِيّ عَنهُ وَالْآخر أَن يكون هُوَ الأَصْل فِي الْعقل
فَالْأول نَحْو مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل فِي الْكَعْبَة وَأَنه لم يقبل وَهُوَ صَائِم وَأَنه تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ حَلَال لِأَن الأَصْل هُوَ عدم الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة وَعدم الْقبْلَة وَعدم التَّزْوِيج فَالْخَبَر الْمَرْوِيّ أَنه صلى فِي الْكَعْبَة أولى لِأَن ثِقَة من روى أَنه صلى فِيهَا تَقْتَضِي أَن تحمل رِوَايَة من روى أَنه لم يصل فِيهَا على حسب اعْتِقَاده وَأَنه خَفِي عَلَيْهِ بعض احوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما رِوَايَة أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقبلهَا وَهُوَ صَائِم فانما هِيَ رِوَايَة عَن حَالهَا مَعَه لَا تعَارض رِوَايَة عَائِشَة أَنه قبلهَا وَهُوَ صَائِم فَلَا يمْنَع من الْأَخْذ بهَا وعدالة رَاوِي تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة وَهُوَ حرَام تَقْتَضِي أَن ينْسب رَاوِي تَزْوِيجه إِيَّاهَا وَهُوَ حَلَال إِلَى أَنه استدام الأَصْل فَكَانَت أولى من هَذِه الرِّوَايَة
وَالضَّرْب الثَّانِي كَرِوَايَة من روى حكما يَقْتَضِيهِ الْعقل نَحْو إِسْقَاط عبَادَة ويروي الآخر التَّعَبُّد بهَا فرواية الْإِثْبَات أولى لِأَن الظَّاهِر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا يعلمنَا مَا لَا نعلمهُ من دونه وَهَذَا الظَّاهِر مُطَابق لرِوَايَة من روى الحكم الشَّرْعِيّ فَكَانَت أولى وَلِأَن الظَّاهِر مِمَّا يُطَابق حكم الْعقل أَنه هُوَ الأَصْل الْمُتَقَدّم وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى متأخره فَكَانَت أشبه بالناسخ وَالْأَخْذ بالناسخ أولى وَالْوَجْه الأول أقوى
إِن قيل هلا عملتم بِمَا يُوَافق أصل الْعقل لِأَنَّهُ قد عضده دَلِيل وَلَيْسَ كَذَلِك الحكم النَّاقِل قيل إِن الْعقل إِنَّمَا لَا يُوجب الْعِبَادَة بِشَرْط أَن لَا ينْقل