شرع فاذا روى شرع ناقل صَار كَأَن الْعقل مَا اقْتضى نفي تِلْكَ الْعِبَادَة لِأَن شَرط اقتضائه لنفيها قد زَالَ وَالتَّرْجِيح وَاقع بِهَذَا الْقَبِيل وَإِن كَانَ الخبران معلومين إِذا احتججنا بِمَا ذَكرْنَاهُ أخيرا من أَن الْخَبَر النَّاقِل كالناسخ لِأَن النَّاسِخ يقدم على الْمَنْسُوخ وَإِن كَانَا معلومين وَذكر قَاضِي الْقُضَاة رَحمَه الله أَن الْخَبَرَيْنِ إِذا كَانَ أَحدهمَا نفيا وَالْآخر إِثْبَاتًا وَكَانَا شرعيين فانهما سَوَاء
وَلقَائِل أَن يَقُول لَا بُد أَن يكون أَحدهمَا مطابقا لحكم الْعقل لِأَنَّهُ لَا فعل من الْأَفْعَال إِلَّا وَله فِي الْعقل حكم إِمَّا الْقبْح أَو الْحسن أَو مَا زَاد على الْحسن وَلَيْسَ يكون أحد الْخَبَرَيْنِ نفيا وَالْآخر إِثْبَاتًا إِلَّا وَالنَّفْي مِنْهُمَا نفي لوَاحِد من هَذِه الْأَحْكَام وَالْإِثْبَات مِنْهُمَا إِثْبَات لبعضها فَإِذن أحد هذَيْن الْخَبَرَيْنِ وَاجِب أَن يكون مطابقا لحكم الْعقل
وَقد مثل قَاضِي الْقُضَاة ذَلِك بِمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي الْكَعْبَة وَمَا رُوِيَ أَنه لم يصل فِيهَا وَبِمَا رَوَت عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبلهَا وَهُوَ صَائِم وَمَا رَوَت أم سَلمَة أَنه مَا كَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم وَلَيْسَ هَذَا بمثال الْمَسْأَلَة لِأَن الْقبْلَة ونفيها وَالصَّلَاة ونفيها هِيَ أَفعَال وَلَيْسَت بِأَحْكَام فَيُقَال إِنَّهَا عقلية اَوْ شَرْعِيَّة وَإِنَّمَا الْأَحْكَام جَوَاز الصَّلَاة وَنفي جَوَازهَا وَالْعقل لَو تجرد لَكَانَ مطابقا لنفي جَوَازهَا وَأَنَّهَا غير مصلحَة وَكَون الْقبْلَة غير مفْسدَة للصَّوْم هُوَ مُقْتَضى الْعقل وَكَذَلِكَ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة وَهُوَ حَلَال أَو حرَام هُوَ إِيقَاع فعل فِي أَحْوَال وَلَيْسَ ذَلِك بِحكم وَإِنَّمَا الحكم هُوَ حسن ذَلِك مَعَ الْإِحْرَام أَو قبحه وَمُقْتَضى الْعقل هُوَ حسنه فَبَان أَن أَحْكَام هَذِه الْأَفْعَال لَيْسَ يَخْلُو أَن تطابق الْعقل إِمَّا النَّفْي مِنْهَا وَإِمَّا الْإِثْبَات فان مثل ذَلِك بِأَن يَقْتَضِي الْعقل قبح الْفِعْل ويروي خبر فِي إِبَاحَته وَخبر فِي وُجُوبه فَيُقَال إِن وُجُوبه وإباحته شرعيان وَالْإِبَاحَة نفي الْوُجُوب فَالْجَوَاب إِن مَا تضمن الْإِبَاحَة لَا يتَضَمَّن نفي الْوُجُوب فَقَط وَلَو تضمن ذَلِك كَانَ قد تضمن حكما عقليا لِأَن الْقبْح قد اقْتَضَاهُ الْعقل والقبيح غير وَاجِب فَمَا اقْتضى كَونه غير وَاجِب قد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute