ذَلِك طَرِيقا إِلَى الحكم إِلَى غير ذَلِك من الْوُجُوه لَا أستدل بالجريان أصلا وَاسْتدلَّ بِهِ على الْمَنْع من تَخْصِيص الْعلَّة المستنبطة فَقَط وَأما المنصوصة فاذا كَانَ طَرِيق صِحَّتهَا غير الجريان جَازَ أَن يمْنَع من تخصيصها بِوَجْه آخر وَمن يُجِيز تَخْصِيص الْعلَّة المنصوصة لَهُ أَن يفرق بَينهَا وَبَين المستنبطة بِمَا قد بني عَلَيْهِ الْمُسْتَدلّ دَلِيله وَهُوَ أَن طَرِيق صِحَة المستنبطة الجريان والتحصيص يبطل ذَلِك وَلَيْسَ طَرِيق صِحَة المنصوصة الجريان فيبطله التَّخْصِيص وَقَوْلهمْ إِن مَا يَسْتَحِيل وَيجوز على الشَّيْء لَا يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف طَرِيقه فَبَاطِل لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَا يَسْتَحِيل على الشَّيْء إِنَّمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ لما يرجع إِلَى طرْقَة جَازَ أَن تخْتَلف استحالته إِذا اخْتلفت الطّرق واستحالة تَخْصِيص الْعلَّة إِنَّمَا كَانَ لأجل بطلَان طريقها فالعلة الَّتِي طريقها نَص لَا يُفْسِدهَا نَص تخصيصها فَلَا يَسْتَحِيل التَّخْصِيص عَلَيْهَا
وَمِنْهَا وَهُوَ وَجه قوي يُمكن أَن يحتجوا بِهِ فيقولوا إِن الْعلَّة الشَّرْعِيَّة أَمارَة فوجودها فِي بعض الْمَوَاضِع من دون حكمهَا لَا يُخرجهَا من كَونهَا امارة لِأَن الأمارة لَيْسَ يجب وجود حكمهَا مَعهَا على كل حَال وَإِنَّمَا الْوَاجِب أَن يكون الْغَالِب مُوَاصلَة حكمهَا لَهَا وَلَيْسَ يبطل هَذَا الْغَالِب بتخلف حكمهَا عَنْهَا فِي بعض الْمَوَاضِع فَبَطل قَول من قَالَ إِن تخصيصها يُخرجهَا من كَونهَا أَمارَة وَعلة يبين ذَلِك ان وقُوف مركوب القَاضِي على بَاب الْأَمِير أَمارَة لكَونه فِي دَار الْأَمِير وَلَا يُخرجهُ عَن كَونه أَمارَة على ذَلِك أَن لَا نشاهد القَاضِي فِي بعض الْحَالَات فِي دَار الْأَمِير أَو نرى مركوبه عَليّ بَاب الْأَمِير مَعَ غُلَام غَيره فنظن أَنه قد استعاره غَيره أَلا ترى أَنا إِذا رَأينَا مركوبه على بَاب الْأَمِير مرّة أُخْرَى ظننا كَون القَاضِي فِي دَار الْأَمِير إِذا كَانَ الْأَغْلَب أَنه هُوَ الَّذِي يركب ذَلِك المركوب وَكَذَلِكَ وجود الْغَيْم الرطب فِي الشتَاء من دون مطر لَا يخرج الْغَيْم من كَونه أَمارَة على نزُول الْمَطَر الْجَواب إِنَّا لَا نمْنَع أَن تُوجد الأمارة فِي بعض الْمَوَاضِع لَعَلَّه من الْعِلَل شرطنا فِي كَونهَا أَمارَة انْتِفَاء تِلْكَ الْعلَّة أَو انْتِفَاء الْموضع الَّذِي لم يُوجد فِيهِ حكمهَا وَلَا يكون طَرِيقا إِلَى الحكم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute