مَا ذكرتموه وَأَيْضًا فان الْإِنْسَان إِنَّمَا يكون مَالِكًا للشَّيْء وأحق بِهِ من غَيره بِالشَّرْعِ لِأَن عنْدكُمْ أَن الْعقل لَا يَقْتَضِي جَوَاز تصرف الْإِنْسَان فِي الشَّيْء فاذا لم يكن هَذَا الأَصْل ثَابتا فِي الْعقل عنْدكُمْ وَكَانَ كلامنا فِيمَا يَقْتَضِيهِ مَا يثبت فِي الْعقل سقط مَا قُلْتُمْ وَأَيْضًا فانه إِنَّمَا يقبح تصرفنا فِي ملك غَيرنَا لِأَنَّهُ يضرّهُ لَا لِأَنَّهُ مَالِكه فَقَط أَلا ترى أَنه يحسن منا الاستظلال بحائط غَيرنَا وَالنَّظَر فِي مرآته والتقاط مَا تناثر من حب غَلَّته بِغَيْر إِذْنه مَا لم يضرّهُ ذَلِك وَالْمَنَافِع والمضار يستحيلان على الله تَعَالَى
وَقد أُجِيب عَن ذَلِك بِأَن إِبَاحَة ذَلِك فِي الْعقل تجْرِي مجْرى إِذن سَمْعِي وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا نعلم أَن الله تَعَالَى قد أَبَاحَهُ فِي الْعقل إِذا أفسدتم أَن يكون كَون التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر وَجه قبح وَمَتى جوز ذَلِك لم نعلم إِبَاحَة الله تَعَالَى لذَلِك
دَلِيل خلق الله تَعَالَى الطعوم فِي الْأَجْسَام مَعَ إِمْكَان أَن لَا يخلقها فِيهَا يَقْتَضِي أَن يكون لَهُ فِيهَا غَرَض يَخُصهَا وَإِلَّا كَانَت عَبَثا ويستحيل أَن يعود إِلَيْهِ ذَلِك الْغَرَض بنفع أَو دفع ضَرَر لاستحالتهما عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يعود على غَيره بِضَرَر لِأَنَّهُ قد لَا يكون فِيهَا ضَرَر وَلِأَنَّهَا إِنَّمَا تضر بادراكها وَفِي ذَلِك إِبَاحَة إِدْرَاكهَا وَلِأَنَّهُ لَا يحسن أَن يكون غَرَضه الْإِضْرَار الْخَالِص بِمن لَا يسْتَحق الْإِضْرَار فَوَجَبَ أَن يكون الْغَرَض بادراكها نفعا يعود إِلَى غَيره إِمَّا بِأَن يُدْرِكهَا أَو بِأَن يجتنبها لكَون تنَاولهَا مفْسدَة فَيسْتَحق الثَّوَاب بادراكها وَإِمَّا بِأَن يسْتَدلّ بهَا وَفِي ذَلِك إِبَاحَة إِدْرَاكهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْتَحق الثَّوَاب بتجنبها إِذا دعت النَّفس إِلَى إِدْرَاكهَا وَفِي ذَلِك تقدم إِدْرَاكهَا وَإِنَّمَا يسْتَدلّ بهَا إِذا عرفت والمعرفة بهَا مَوْقُوفَة على إِدْرَاكهَا لِأَن الله تَعَالَى لم يخلق فِينَا الْمعرفَة بهَا من دون الْإِدْرَاك فصح أَنه لَا فَائِدَة فِيهَا إِلَّا الْإِبَاحَة للِانْتِفَاع بهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَن يركب الله فِي الْعُقُول إِبَاحَة الِانْتِفَاع بِتِلْكَ الْأَجْسَام ليعلم حُصُول الطعوم فِيهَا فينتفع بهَا بِأحد هَذِه الْوُجُوه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute