للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَركه للنَّظَر فِيمَا بعد وَإِنَّمَا ذَلِك شَيْء يعرفهُ الله تَعَالَى وَحده فَجرى ذَلِك مجْرى صغائرنا الَّتِي لَا يعرفهَا إِلَّا الله وَحده

وَلقَائِل أَن يَقُول إِن كل وَاحِد من هَذِه الْأَخْبَار خبر وَاحِد وَلم تبلغ من الْكَثْرَة إِلَى حد تصير مَعَه متواترة فِي الْمَعْنى فَلم يَصح التَّوَصُّل بهَا إِلَى الْعلم

وَمِمَّا يُمكن أَن يحْتَج بِهِ فِي الْمَسْأَلَة هُوَ أَن كل مَسْأَلَة من مسَائِل الِاجْتِهَاد إِمَّا أَن تكون فِيهَا أَمارَة هِيَ أقوى من غَيرهَا وَإِمَّا أَن تكون فِيهَا أمارتان متكافئتان فان كَانَ فِيهَا أَمارَة هِيَ أقوى من غَيرهَا فقد كلف الْمُجْتَهد الظَّن لَهَا وَالْحكم بهَا فَمَتَى عدل عَنْهَا فقد أَخطَأ وَإِن كَانَ فِيهَا أمارتان متكافئتان فقد كلف الظَّن لتكافئهما وَالْحكم بالتخيير بَين حكميهما فَمَتَى عدل عَنْهُمَا فقد أَخطَأ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه قد كلف الظَّن لقُوَّة الأمارة القوية أَو الظَّن لتساوي الأمارتين إِن جَازَ تساويهما لِأَن الْمُجْتَهد طَالب وَقد بَطل أَن يكون طَالبا لدلَالَة فَثَبت أَنه طَالب لأمارة إِمَّا الْأَقْوَى وَإِمَّا الأضعف وَمَعْلُوم أَن الْمُجْتَهد لَيْسَ يقْصد بِاجْتِهَادِهِ الظفر بأضعف الأمارات وَلَا كلف ذَلِك فصح أَنه كلف الظفر بأقواها وَهُوَ الَّذِي يَقْصِدهُ

وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّه يقْصد الأمارة الْأَقْوَى فِي ظَنّه وَلَا يمْتَنع أَن يظنّ أَن هَذِه الأمارة أقوى من غَيرهَا ليرجحها على غَيرهَا بِكَثْرَة وُجُوه التَّرْجِيح وَيكون غَيرهَا أرجح من هَذِه الأمارة بِوُجُوه من التَّرْجِيح لم يخطرها الله بِبَالِهِ بل شغله عَنْهَا أَو شغله عَن فهمها إِذا سَمعهَا من خَصمه فكلف الْعَمَل بِمَا ظَنّه لِأَنَّهُ مصْلحَته فَكَانَ مصيبا فِي ذَلِك وأخطر ببال غَيره تِلْكَ الْوُجُوه وفهمه إِيَّاهَا لِأَن الْمصلحَة الْعَمَل بذلك فَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مصيبا فِيمَا صَار إِلَيْهِ

وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلهم لَو كَانَ المجتهدون على اخْتلَافهمْ مصيبين لم يكن فِي مناظرة بَعضهم لبَعض معنى لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم يعْتَقد أَن الآخر قد أدّى مَا كلف وَأصَاب فِي فعله فَمَا وَجه مناظرته لَهُ وَنحن نعلم أَن كل وَاحِد مِنْهُم

<<  <  ج: ص:  >  >>