وَبِهَذَا يتَبَيَّن ضعف قَول بعض الْأَصْحَاب بِجَوَاز ظُهُور المعجزة على يَد الْكذَّاب بل لَو قدر كذب من ظَهرت المعجزة على يَده من غير مَا دلّت المعجزة مِنْهُ على صدقه لقد كَانَ ذَلِك بِالنّظرِ إِلَى الْعقل جَائِزا وَلما كَانَ وُقُوعه بِالنّظرِ إِلَيْهِ مُمْتَنعا
وَعند هَذَا فَلَا بُد من التنيبه لدقيقة شدت عَن مطولات الْكتب وجهابذة الْمُتَكَلِّمين وهى أَنه لَو قَالَ النبى آيَة صدقى ظُهُور جمل اَوْ نَاقَة فى هَذَا الصندوق أَو هَذِه الصَّخْرَة وَذكر من نَعته وَصفته مَعَ سبق علمنَا بِعَدَمِ ذَلِك ثمَّ ظهر على وفْق قَوْله ودعواه فعلى قَوْلنَا بِجَوَاز ظُهُور الخارق على يَد من لَيْسَ بنبى يجوز ان يكون قد أُوتى بمخبر خَبره قبل التحدى وَعند ذَلِك فالخارق إِنَّمَا هُوَ علمه بذلك واطلاعه عَلَيْهِ لَا نفس خَبره عِنْد التحدى وَبعد الْعلم بِهِ فَإِن ذَلِك لَيْسَ بمعجز وَإِلَّا كَانَ كل من أخبر عَن ذَلِك بعد مَا حصل لَهُ الْعلم بِهِ أَن يكون خَبره معجزا وَهُوَ هوس
وَإِذا لم يكن الخارق المعجز إِلَّا مَا قضى بِجَوَاز سبقه على التحدى فقد سبق إِلَى فهم بعض المجوزين لذَلِك القاصرين عَن الْإِحَاطَة بقواعد خَواص الْمُتَكَلِّمين أَن ذَلِك لَا يكون آيَة وَلَا دَلِيلا على الصدْق وَلَا يعلم أَن ذَلِك يجر إِلَى إبِْطَال اعجاز الْقُرْآن وَجعله دَلِيلا ١٢٩ أمصدقا لتحَقّق هَذَا الْمَعْنى فِيهِ بل وَيلْزم مِنْهُ ابطال سَائِر المعجزات لجَوَاز أَن يكون قد أعلم الله ذَلِك الشَّخْص بِأَنَّهُ سيشق الْبَحْر فى وَقت كَذَا وسيقلب الْعَصَا حَيَّة إِلَى غير ذَلِك وأنى يكون ذَلِك وَالله تَعَالَى بِمَا منحه من هَذَا لاطلاع الخارق والإحاطة بالمعجزة مَعَ عمله بِأَنَّهُ سيتحدى ويستند فى الِاسْتِدْلَال والإعجاز إِلَى مَا أظفره بِهِ ينزل منزلَة التَّصْدِيق لَهُ بالْقَوْل وَإِن تَأَخَّرت معرفَة ذَلِك إِلَى حِين وَهل بَين ذَلِك وَبَين مَا لَو كَانَ حُصُوله مُقَارنًا للدعوى فرق فى هَذَا الْمَعْنى
نعم شَرط ذَلِك أَلا يكون هَذَا الخارق قبل التحدى قد ظهر للنَّاس مِنْهُ واشتهر عَنهُ