واعلم أن في اغضاضك بصرك عن النظر إلى مالا يؤمن أن يكون سبباً إجماماً للقلب، وجَبًّا للشر، وإصلاحاً للنفس، ومادة للإرادة الهوائية، وإغضاؤك عن النظر يوصلك إلى موجود عقلك، الذي هو أصل المعرفة بربك، لأن المعرفة به - عز وجل - نتاج العقل الصحيح، والإيمان به - عز وجل - نتاج المعرفة به، وإذا صح العقل، نبتت المعرفة، وصدق الأيمان، وحكم القلب على جميع الجوارح بأعمال الخدمة فتدبر - يا أخي - قلبك بالإخلاص، وتلطف بالمسير في طرق السلامة من الآفات القادحة، والخواطر السارحة.
كيف المخرج والفرار؟: واعلم أن مخرج النظر المسدد من العقل النافع، ومخرج الدلالة من المعرفة العقلية، ومخرج الفكر من يقين القلب، فإذا دام النظر في النعم أيدته المعرفة للعملية الدالة علية، ثم وقعت المعرفة عليها فأبانت الفكرة ما فيها من الفضل والمنفعة فأتت النفوس بالنعم، وفرحت بمجاورتها، وانقطعت عن أسباب الفعل، وانفردت في خلوتها برعايتها، وسقط الهم بغيرها، واتصل بما يحفظها ويراد به منها، فإذا صحت معرفة النفس لنعم الرب جل وعلا، انشرح لهل الصدر والقلب، ووقع الشكر، وكثر الذكر، وتم السرور، والفرح، وعظم الافتخار، وصفا العيش وطاب.
[فصل]
[كيف ندرك المجتهدين ونسبق المسرعين]
[نصيحة شيخ مجرب!]
قال بعض المشايخ لمريده: يا بني ألا أدلك على عمل كثير من أعمال الأبرار تدرك به العامل المجتهد، وإن كنت متوانياً؟ احفظ طرفك ولسانك مع أداء الحقوق، فذلك أعمال الراسخين. إن أردت أن تسبق الراكب المسرع، وإن كنت بطيئاً فاشغل قلبك ولسانك بذكر الله، مع ترك الحظوظ، فذلك من أعمال الصديقين. واعبد الله على طريق العلم تسلم من الآفات، وأخلص له سبيل الصدق ترفع في الدرجات. ونظر بعض العباد إلى صبي فتأمل محاسنه فأتى في منامه وقيل لتجدن غِبّها بعد أربعين سنة. قال بعض الحكماء: القلب مثل بيت له ستة أبواب.
ما هي أبواب القلب؟ ثم قيل له: احذر ألا يدخل عليك من أحد هذه الأبواب شيء فيفسد عليك البيت، فالقلب هو البيت، وأبوابه: الفم، واللسان، والسمع، والبصر، واليدان، والرجلان، وفتح هذه الأبواب بغير علمٍ ضياع البيت، وغلق هذا البيت فرض، وسد كل باب من هذه الأبواب فرض، خوفاً على البيت من الفساد، وهذا البيت إذا فسد فسد الجسد كله، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجسد مُضَّغةً إذا صَلحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب " فافهم حفظ هذه الأبواب واحرص عليها.
النظر هو البداية!: واعلم أن بدء المعصية النظر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النظرة سهم من سهام إبليس ".
رأي عيسى - عليه السلام - في النظرة: وقال عيسى - عليه السلام -: " إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب حسرة ".
والنظر!: وقال ابن سيرين: " إياك وفضول النظر فإنه يؤدي إلى فضول الشهوة ". وقال داود لابنه: " يا بني امشِ خلف الأسد، ولا تمشي خلف المرأة ".
ابن مكتوم ينظر إلى قدميه!: وكان الأسود بن مكتوم إذا مشى نظر إلى قدميه فربما استقبله النساء فيقول بعضهن لبعض: لا يرعكن قامة الأسود بن مكتوم إذا مشى نظر إلى قدميه لا ينظر إليكن.
الإسلام يحث على صون مرأة: وفي الحديث: " شر النساء اللاتي يتشوقن للرجال ويفتنَّ الرجال وشر الرجال الذين يتشوقون للنساء ويفتنون ". وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي الرجل بين المرأتين " أخرجه أبو داود. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ". وقال صلى الله عليه وسلم: " باعدوا بين أنفاس الرجال، وأنفاس النساء ". وما ورد من أنه " لو كان عرق من المرأة بالمشرق، وعرق من الرجل من المغرب، لَحَنَّ كل واحد منهما لصاحبه ". فكيف بالمباشرة والكلام والمزاح؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب.
الخمسة التي تفسد القلب: وروى: " خمسة تفسد القلب: الخلوة بالنساء، والاستماع لهن، والأخذ برأيهن، ومجاراة الأحمق، فأن جاريته كنت مثله، ومجالسة الموتى. قيل: وما الموتى؟ قال: كل غنيِّ أبطره غناه، وكل إمام جائر ".