أفعمياوان أنتما!!: وعن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجبا منه " فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه "! المراهق والمرأة: والأصح أن المراهق كالبالغ فيجب على المرأة الاحتجاب منه كما يجب الاحتجاب من المجبوب ويلزم ولي الصبي منعه من نظرها كما يلزم منعه من الزنا.
[فصل]
[في أبواب المعاصي]
[ابن القيم يصف الداء والدواء:]
قال ابن القيم - رحمه الله: وأكثر ما يدخل المعاصي على العبد أربعة أبواب وهي: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخُطُوات، فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها، فمنها يدخل العدو فيجوس خلال الديار وُيَتّبر ما علا تتبيرا.
رأس الشهوات!: فأما اللحظات: فهي رائدة الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورده موارد الهلكات، ولما كان مبدأ ذلك من النظر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج.
وقال: كل الحوادث مبداها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر فتكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطية ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه.
غض البصر يورث حلاوة في القلب: واعلم أن من غض بصره عن محاسن امرأة، أو أمرد لله تعالى، أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه. وقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا منها بُدٌّ. قال: " إن كنتم ولا بد فاعلين فاعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حقه؟ قال: " غَضُّ الَبصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السّلام ".
أصل عامة الحوادث: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإِنسان، فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع.
من آفات النظر: ومن آفات النظر أنه يورث الحسرات، والزفرات، والحرقات فيرى العبد ما ليس قادراً عليه، ولا صابراً عنه، ولا قدرة لك عليه. وكم من أرسل لحظاته فما أقلعت إلا ّوهو يتشحط بينهن قتيلا. ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه، حتى يتبوأ مكانا من قلب الناظر، والأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحاً، فتتبعها جرحاً على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراح مِنِ استدعاء تكرارها، وقد قيل: حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات.
الخطرات أصل الخير والشر: وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإِرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير آثاراً باطلة (كَسَرَاب بِقِيِعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لم يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِنَدهُ فَوَفّاه حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
من أضاع وقته، ضاع عمره!: واعلم يا أخي أن الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، فلا تشغل قلبك وجوارحك بما لا تملك من أمر دينك وآخرتك، وعليك بالفكرة في واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه، فالعارف ابن وقته فإن أضاعة ضاعت مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبداً.